IMLebanon

ما قبل وما بعد!

صحيح ما قاله رئيس سوريا السابق بشار الأسد: ما بعد حلب يختلف عما قبل حلب! سوى أن العطب في الصحّ أصعب وأخطر من الصحّ في الغلط. هذا فلتة خارج السياق والنص. وتلك حسبة غادرة وغدّارة ولم تكن في الميزان وقت القياس. ولذلك وقعها يكون في العادة أثقل وأمرّ.. وأزنخ!

يفترض صاحب القول، وهو الذي صار ناطقاً شبه رسمي باسم رعاته وحماته الإيرانيين، أن كسر شوكة السوريين في شرق حلب سيعني انكساراً لهم في كل سوريا، من دون أن يلحظ أنه ومنذ نحو ست سنوات يكرر المعزوفة ذاتها وبعد كل معركة كبيرة.. لكنه بدلاً من الركون إلى الاستقرار ودوام التحكّم والسلطة والسيطرة والسلبطة، وصل إلى العكس! ولم يعد في استطاعته، واقعياً وليس افتراضياً، التحكّم بأي قرار بعد أن صار هذا مقسماً بالتساوي بين موسكو وطهران.

أي أن المفارقة (العزيزة!) تكمن في الآتي: كلما حققت قوى «المحور» «الايراني – الروسي خطوة ميدانية كبيرة، تراجعت أكثر فأكثر «سلطة» الأسد، وحضرت بدلاً منها صورة التابع! ويبدو أنه مستعد لما دون ذلك بكثير! ما دامت الحسابات الراهنة لا تزال تحكم «بضرورة» وجوده في الصورة! وهو في كل حال، لم يعد يمارس سوى «سلطة» الحضور في الصورة! يقفز من مقابلة الى أخرى ولا يقول في الواقع إلّا ما استقر عليه «رأي» الايرانيين من جهة والروس من جهة ثانية!

.. ويبدو، بالفعل وكأنه منتشٍ بدوره كناطق اعلامي باسم هؤلاء! ويعمد للتدليل على مدى انتشائه الى استخدام مصطلحات كبيرة! وجمل صادمة من نوع «ما بعد حلب غير ما قبل حلب«. تماماً، في التاريخ، مثلما يقال «ما قبل الميلاد وما بعده»! وما قبل الرسالة المحمدية وما بعدها!

وتلك عوارض خلل مستحكم! يعرفها روّاد وطلاب علوم الطبّ النفسي جيداً. مثلما يعرفها العامّة أينما كانوا: كلما ضمرت الحال حضر المُحال والخيال!

حتى اللحظات الأخيرة أمام جلاّديه، بقي صدام حسين يقول إنه «الرئيس الشرعي» للعراق! وحتى اللحظات الأخيرة قبل قتله، ظلّ معمر القذافي يخاطب قاتليه بصيغ سلطوية أبوية، كئيبة ومحزنة ومليئة بالخزي! يسألهم عن حاجاتهم وماذا يطلبون! كأن لا وعيه الكامن فيه نصف إله، بقي أقوى من حقيقة صيرورته أسيراً جرى التنكيل به حتى الموت!

رئيس سوريا السابق بزّ الاثنين، صدام ومعمّر! ولم يجد في عقله الباطني ما يتشبه به سوى الأنبياء والرسل! وهو الذي في وعيه يعرف أن الصفات التي تُسبغ عليه تراوح بين حدّي الديكتاتور والسفاح! وإن الفارق بينه وبين القداسة هو ذاته الفارق بين الحياة والموت! وإنه دخل في التاريخ السوري والعربي والبشري في الإجمال باعتباره مهووس سلطة لم يتورّع عن تدمير بلاده والاستعانة بالغرباء لقتل أهلها والتنكيل بهم والفتك بحرماتهم، في سبيل البقاء في تلك السلطة!

صحيح أنّ ما بعد حلب غير ما قبلها، لكن العطب في ذلك، هو أن صاحب القول يرى الجزء ويتجاهل الكل… يتجاهل أنّ سوريا ما بعد آذار 2011 هي غيرها ما قبل آذار 2011! وأبرز معاني ذلك، أنّه هو، بشار الأسد لم يعد رئيساً لها! أم ماذا؟!