IMLebanon

مبدأ بريجينيف والجمهورية الضائعة

هل تستمر الجلسة؟ هل تعلَّق؟ هل ستخرج ببيان موحّد؟

تساؤلات عاشها اللبنانيون في لبنان والخليج يوم أمس!

إجتماعات قادة العالم في يالطا بعد الحرب العالمية الثانية لتقسيم أوروبا إلى مناطق نفوذ ومحاكمة القادة الألمان، لم تستغرق من الوقت ما استغرقه إجتماع الحكومة اللبنانية يوم أمس. البيان لم يرقَ إلى مستوى الخطر المُحدق بلبنان ومستوى المسؤولية المترتبة على الحكومة. تدوير الزوايا الذي حاولت الحكومة من خلاله تبرير ما ارتكبت دبلوماسيتها من أخطاء جاء أقبح من الأخطاء عينها. الكلمات والعبارات المرتجفة والمترددة التي تبعث على القلق والخوف عكست قدرةً بائسة على اتخاذ القرار ورغبة في الخروج من مأزق ما بأي شكل من الأشكال وليس مواجهة شجاعة لمأزق حقيقي له تداعياته الخطيرة على لبنان إقتصادياً وأمنياً وسياسياً.

دستور الطائف قرأه الجميع من عرب ولبنانيين، وقرأوا مقدمته وهم مدركون أنّ لبنان بلد عربي الإنتماء والهوية، وهم يعرفون أيضاً أنّ لبنان ذو الوجه العربي وفقاً لدستور 1943 والعضو المؤسس في جامعة الدول العربية لم يخرج عن الإجماع العربي، بل كانت الدول العربية وفي مقدمتها مصر والمملكة العربية السعودية راعيتين دائمتين له بعد مرحلة حلف بغداد، وقد شهد لبنان في ظلّ هذه الرعاية الإنجازات الكبيرة على مستوى الإدارة السياسية والتطور الإقتصادي وُعززت قواته المسلّحة من ضمن مشروع الدفاع العربي المشترك حتى مرحلة ما قبل كامب دايفيد. مقدمة دستور الطائف ثبّتت عروبة لبنان لأنّ حقائق التاريخ والجغرافيا هي التي تصنع الدساتير وليس العكس.

ما كان اللبنانيون بانتظاره بالأمس، داخل لبنان و خارجه، ولا سيما العاملين منهم في دول الخليج العربي، ليس التعرّف إلى قدرة حكومتهم على التذاكي في كيفية التملص من مأزق لفظي ما، أو إعطاء تبرير لهفوة سياسية ينقصها الإدراك، بل انتظروا موقفاً راسخاً يؤكّد على دور لبنان ويرسخه أكثر في موقعه العربي ويكسبه المزيد من الإحترام والتقدير في محيطه الطبيعي. لقد خاب ظنهم فعلاً، لا سيما بعدما سمعوه من وزير الخارجية من أُمثولات في التواضع وصناعة الأحداث وامتلاك مصائر الأمم والشعوب والأنظمة فضلاً عن التاريخ، والتصويب الذي تلاها من رئيس الحكومة، الأمر الذي وضعهم أمام نموذجٍ يُحتذى في التضامن الحكومي.

أصرّ بعض السياسيين أمس على قيادتنا وكأننا فيالق نتحارب ولو بالكلام، نتراشق الإجتهادات القانونية ولا نستوحي إلا ما يفرّق بيننا علّ الحرب تعود إذاك، حتى الكلام من أفواههم كان يقطّر حنيناً إلى الحرب، بينما ظهر البعض الآخر في غربة عن المسؤولية، كملوك عاطلين عن العمل ينتظرون أن تناديهم الأمم أو يلتمس منهم شعب أو يقترح عليهم مؤتمر ما تولي الحُكم في دولة شغرت رئاستها. إنّ الخوف من المجاهرة بدور مجلس الوزراء في تحديد مصالح لبنان وخاصةً في ظلّ التحدّيات الإقليمية يُعيدنا إلى حقبة ما سُمي بـ«مبدأ بريجينيف» الذي كان يعطي بعض الدول حق الحدّ من سيادة الدول المتاخمة لها والذي اتُخذ حينها قاعدة لتشريع دور دمشق الإقليمي في لبنان والأردن وعلى السلطة الفلسطينية.

وبعد إلى أين في ظلّ هذا السباق بين الدستور والسيادة؟ هل إلى تعليق الدستور ووقف العمل به وفك التعاقد بين الطوائف اللبنانية وانتظار قيام عقد إجتماعي جديد قد لا يأتي إلا بمزيد من الضياع!!!

ما أحلى أن يكون لنا وطن، وطن على مستوى التاريخ والطموحات والقيم الإنسانية، يبدو ذلك حتى الآن بعيداً عنا وكبيراً علينا، وكثيراً علينا حتى التفكير فيه… متى يأتي من يوحي بالمسؤولية فيحررنا من «الوزر البرجنيفي»؟.

نعم! ننتظر من يحقق لنا جمهورية ووطناً، إنتصارات لا تكون لفريق منا على فريق أو لصالح محور على محورٍ آخر، ننتظر من هو أقوى من الأحداث ليُعيد إلينا جمهوريتنا الضائعة….

*مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات