عند السابعة مساءَ السادس من أيار كان اللواء أشرف ريفي في الماكينة الانتخابية، يراقب النتائج النهائية للتصويت التي تحدّد رقم الحاصل الانتخابي، وقبل ذلك كان الشيخ نعيم قاسم قد أعلن عن طلب تمديد فترة التصويت، ليُعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق تلبية الطلب بطريقة تحتال على المادة 97 من قانون الانتخاب حيث مزج بين السماح للناخبين في قلم الاقتراع بعد السابعة، وبين السماح للناخبين الموجودين في محيط قلم الاقتراع بالانتخاب، وبين الأمرَين فارقٌ شاسع، فالثاني يعني أنّ أيَّ ناخب لم يكن ضمن باحة قلم الاقتراع يمكنه التصويت، وهذا يعني التصويت المفتوح.
انتقل ريفي الى مكتبه الرئيسي، بدأت عمليات الفرز، وكانت الشاشات تُنذر بفارق كبير في الأصوات بين لائحته، ولائحتي «المستقبل» و»العزم»، واستمرّ الفارق الكبير ثابتاً حتى ساعة التأكّد من أنّ لائحة ريفي لم تنل الحاصل، وكانت لحظة صعبة على المحبّين والأنصار، الذين استمرّوا لأكثر من ساعة عرضة للتجاذب بين الفوز والخسارة، هذا فيما كانت اصوات العيارات النارية التي اطلقها مناصرو اللوائح الاخرى، لفترة تزيد عن الساعة، وادّت الى سقوط اصابات، فعاشت المدينة، جوَّ حرب حقيقية، أما من جهة مناصري ريفي فأطلق احدُهم النارَ ابتهاجاً، في لحظة الشك بحصول الفوز.
كانت هذه المعركة الأقسى في طرابلس وعنوانها كسر ريفي، الذي استُعملت ضدَّه كل الأسلحة المباحة وغير المباحة، تماماً كما استُعملت ضد خصوم تيار «المستقبل» بنسبة او بأخرى، لكنّ التركيز الأساسي كان إسقاط ريفي بأيِّ ثمن.
في هذه المعركة التي بدأت باكراً، كان ريفي يستعدّ بلا إمكانات تُذكر، أما خصومه فقد وظّفوا كل شيء. الأجهزة كانت رأس الحربة، حيث تمّت ملاحقةُ أنصاره، وتهديدُ المفاتيح الأساسيّون وإغراؤهم، وسحب عدد منهم، اما من تبقّوا فكانوا عرضة لمضايقات يومية، للقول لهم بأنكم مع ريفي لا تحظون بالحماية.
ولم يتم الاكتفاءُ باستعمال الاجهزة الامنية لإسقاط ريفي، بل استُعملت ضده الوزارات والإدارات ولم يقصّر المحافظ في التضييق على أنصاره، وفي عرقلة المجلس البلدي المتعثّر أصلاً، كذلك لم يقصّر مجلس الإنماء والإعمار، وسائر الإدارات، فكان لكلٍّ دوره، الى درجة بات مؤيّدو ريفي يتستّرون على ولائهم له، وكثيرون منهم صارحوه بذلك وطلبوا التفهّم لأنهم غير قادرين على الاستمرار في المجاهرة بتأييده، فأبدى تفهّماً.
خاض ريفي الانتخابات وحيداً، لم يساوم في تحالفاته، تلقّى عروضاً بالتحالف انتخابياً، ورفض قائلاً: «لا أريد أن يُسجّل علي أني اقدّم للناس خياراتٍ ملتبسة، فلوائحي تُشبهني». وراهن على أنّ كلمة الناخب في طرابلس وعكار «ستتخطى كل الضغوط والإغراءات».
خاض ريفي الانتخابات وحيداً، حيث وصف علاقته بالمملكة العربية السعودية بأنها مجمّدة، فهي تحوّلت في المرحلة الأخيرة إلى ما لا يمكن نكرانه. لم يزره الوفد السعودي برئاسة المستشار نزار العلولا، أسوة بالنائب فارس سعيد، لم تُوجَّه اليه الدعوة الى افتتاج جادة الملك سلمان بن عبد العزيز في بيروت، فكان ردّ فعله الصمت، وابتسم مرة ولم يعلّق على ما مازحه به أحد القريبين: «يبدو أنك كلما رفعتَ سقفَ خطابك ضد الوصاية الإيرانية، كلما خسرت علاقاتك العربية».
خاض ريفي معركته بلا حلفاء، كان رهانه على أنّ الناس هم حلفاؤه. كان يعرف أنّ إمكانات معركته المادية شبه معدومة، وأنّ إمكاناته اللوجتسية تنقصها الجهوزية، وأنّ الكادر البشري لم يصل الى مستوى إدارة معركة بكفاية عالية. كان يدرك نقاط قوته، ونقاط ضعف اخرى لا تتعلّق به.
ثلاثة اشهر كان ينام بعد الساعة الثانية ليلاً، وهو المعروف عنه القدرة على العمل الطويل والمثابرة. كانت معركته حاسمة، فهي المعركة النيابية الأولى التي يشارك فيها، وهي معركة تأكيد الحضور، بعد الفوز في الانتخابات البلدية، حيث تحوّل العمل البلدي عبئاً اضافياً بسبب عدم نجاح المجلس البلدي في الإنتاج كما كان ريفي يأمل.
خسر ريفي الانتخابات رسمياً، على وقع كل هذه الظروف التي رافقت المعركة، وعلى وقع مخالفات جسيمة، كان أحدها فيلماً يصوّر أحد مفاتيح «المستقبل» وهو يوزّع الاموال علناً على الناخبين، وعلى وقع العدد الكبير جداً من الاوراق الملغاة، التي فاقت 5000 ورقة، و2000 ورقة بيضاء، وعلى وقع مال انتخابي تمّ دفعُه، على شكل بلوكات ناخبي الساعة الخامسة التي رفعت نسبة التصويت بنحو غير مسبوق.
توجّه ريفي الى الناس بعد الخسارة بكلمات قليلة، وردّد معهم شعارَه العنيد: «مستمرّون». أما البحث في كلّ ما شاب الانتخابات من تجاوزات فيجري توثيقُه لاتّخاذ القرار في شأنه، ويتولّى فريقٌ قانوني متابعة المهمة.