الهبة السعودية تتحرّك.. والسلاح الفرنسي يصل قريباً
إجراءات عسكرية احترازية في الداخل.. وعند الحدود السورية
لا يستطيع أحد تحديد كم من الوقت يلزم لبنان ليصمد أمام عاصفة الاهتراء التي تضربه في كل مفاصله. كل عناصر الانهيار موجودة، وكان يمكنه ان يحصل في اية لحظة لولا وجود مؤسستين تشكلان بقعة ضوء في النفق اللبناني: الاولى، مصرف لبنان، والثانية، المؤسسات العسكرية والامنية وخصوصا الجيش اللبناني.
واذا كان مصرف لبنان، في ظل عاصفة الاهتراء، وفي ظل فقدان الأمان السياسي، قد استطاع أن يثبت نوعا من الاستقرار النقدي والمالي، فإن سر بقاء الدولة واستمرارها، كما يقول مسؤول لبناني بارز، «بيد الجيش الذي حال مع الاجهزة الامنية الاخرى، دون بلوغ لبنان مرحلة الاهتراء الامني، وهنا لا ينفع الندم».
يتقاطع هذا الكلام السياسي مع مقاربة عسكرية على الشكل الآتي:
– الأمن ممسوك والجيش يبذل جهوداً كبيرة في هذا المجال، والأجهزة الامنية تعمل في أقصى طاقتها وتحقق إنجازات، وليست مبالغة لو قارنا وضع لبنان أمنيا اليوم، بأية دولة أوروبية، وربما وضعنا أفضل بكثير من وضع كثير من تلك الدول. وبرغم كل الكلام عن محاولات للإخلال بالاستقرار الداخلي، لكن لا مؤشرات سلبية ملموسة تجعلنا نقلق أو نخاف.
– لسنا مطمئنين أمنيا بالكامل. العين العسكرية مفتوحة على الخلايا الإرهابية. الجيش في حالة مطاردة دائمة. المخيمات السورية، وخصوصا تلك القريبة من بلدة عرسال، مصدر قلق دائم، المسلحون التكفيريون يتحركون في داخلها ومنها واليها، وثمة توقيفات يومية، وما يزيد منسوب القلق هو ان إرادة تخريب الوضع اللبناني ما زالت موجودة لدى رعاة الإرهاب التكفيري في الخارج، والتي تترجم باستمرار عملية التمويل لمجموعات متخفية في بعض المناطق اللبنانية، وقد نجحت مخابرات الجيش مؤخرا في ضبط عملية تمويل بنحو خمسين الف دولار وردت من إحدى الدول العربية، وتم إلقاء القبض على أربعة أشخاص.
– الجيش يبذل أقصى ما يمكن لتدارك حصول مفاجآت أمنية، ولقد وردت في الآونة الاخيرة نصائح غربية، برفع الجهوزية الامنية والعسكرية تحسبا لحصول أعمال إرهابية. وربطا بذلك، كل الأجهزة العسكرية والأمنية اتخذت إجراءات مشددة تحسبا لعمل أمني إرهابي كبير، وخصوصا لمناسبة عيد الأضحى.
– كل الوفود الدولية التي تزور لبنان تؤكد حرصها على أمنه واستقراره، وتشيد بالإنجازات التي حققها الجيش اللبناني في حربه على الإرهاب، سواء في الداخل اللبناني أو على الحدود مع سوريا، والأميركيون رفعوا من وتيرة برنامج تسليح للجيش، ورئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون وعد بمساعدات جديدة وقال صراحة إنه لا يريد أن يستيقظ يوما ويرى «داعش» في شوارع لندن، كما لا يريد ان يرى هذا التنظيم الإرهابي على أبراج لندن.
– في سياق الدعم الخارجي للجيش، حدث تطوران، الاول، يتمثل في هبة الثلاثة مليارات دولار السعودية عبر الفرنسيين، اذ ان لبنان تبلغ خلال الساعات الثماني والاربعين الماضية أن تلك الهبة وضعت مجددا على سكة التسييل لعتاد عسكري فرنسي في فترة قريبة، وذلك في سياق الدفعة الاولى لتلك الهبة (600 مليون دولار)، التي حولتها السعودية بداية العام الجاري، الى الجانب الفرنسي.
وأما التطور الثاني، فيتعلق بحصة الجيش اللبناني من المليار دولار (550 مليون دولار)، الذي صرفته السعودية للبنان عن طريق الرئيس سعد الحريري، وهي دخلت حيز التنفيذ ايضا منذ مدة، وتم مؤخرا تحويل نحو 70 مليون دولار الى واشنطن، كدفعة من صفقة السلاح التي وقعت بين الجانبين اللبناني والاميركي.
هذا الدعم التسليحي للجيش، يسد الجزء الأكبر من حاجته الى العتاد والذخائر المدفعية والصاروخية والآليات، بما يعزز قدرته في حربه ضد الإرهاب الخارجي، وعلى الخلايا النائمة في بعض المناطق اللبنانية، التي تشكل مصدر قلق حقيقياً، إلا ان هذا الدعم يتعزز ايضا، برفده داخليا من قبل الحكومة اللبنانية، عبر تأمين اعتمادات ضرورية وملحة، (بالحد الأدنى خمسون مليون دولار)، لتطوير ذخائر وقطع غيار، وتطوير السلاح الشرقي الذي يمتلكه الجيش، ومن دون هذه الاعتمادات سيبقى هذا السلاح معطلا وغير ذي فائدة.
– الدعم الداخلي للمؤسسة العسكرية، له وجه آخر، يتمثل بتجنيبها أي إرباك داخلي، ففكرة الترفيعات من عميد الى لواء ليست في يد قيادة الجيش، بل بيد السلطة السياسية حصرا، والتي هي وحدها المعنية باتخاذ قرار الترفيع علنا، وتغطيته، على أن ينفذه قائد الجيش تبعا لذلك. على ان مقاربة تسوية الترفيعات هذه، يجب أن تتم بما لا يتسبب بانعكاسات سلبية على هرمية الجيش ومعنويات ضباطه، وخصوصا أولئك الذين يعتبرون أنفسهم انهم الأحق بالترقية. علما أن القيادة العسكرية مع إعادة الحياة الى كل المؤسسات، ولا يمكن أن تعرقل أية تسوية من شأنها أن تقود الى إعادة تفعيل عمل الحكومة وإعادة إطلاق العجلة التشريعية في مجلس النواب.
– العين العسكرية مفتوحة على الحدود اللبنانية السورية، فقد مر الجيش بتجربة قاسية في 2 آب 2014، وتعلم من التجربة، واستعاد المبادرة وهو يتمكن يوميا من توجيه ضربات قاسية الى مجموعات إرهابية. لكن غدر تلك المجموعات قابل للتكرار، ولذلك، فإن الوحدات العسكرية في جهوزية استثنائية وفي أعلى درجات الاستنفار.
– الجيش اللبناني يضع في حسبانه كل الاحتمالات الاقليمية وخصوصا السورية، سواء أحقق الجيش السوري النظامي انتصارات ميدانية، أو تمكنت المجموعات الارهابية من تحقيق خطوات على الارض. الأساس بالنسبة للجيش هو تقدير مدى تأثير التطورات الميدانية السورية على الداخل اللبناني ومنع تمددها إن كانت سلبية. وفي هذا السياق، اتخذت الوحدات العسكرية إجراءات «احترازية عالية جدا» نتيجة التطورات العسكرية التي حصلت قبل أيام بالقرب من دمشق (حرستا).
وفي هذا السياق، تبقى العين العسكرية على حمص، فالوضع مطمئن بالنسبة لنا في لبنان، ما دامت خارج سيطرة المجموعات الإرهابية، ولكن مع ذلك، ثمة رصد للميدان الحمصي، مقرون بجهوزية عالية، لأن وصول المجموعات الارهابية الى حمص، معناه وصولهم نظريا الى لبنان، نظرا لقربها من الحدود الشمالية الشرقية، وينعكس ذلك ارتفاعا لمنسوب الخطر على لبنان، وخصوصا الشمال، من دون إغفال حقيقة وجود خلايا نائمة ينعشها أي «إنجاز» في منطقة حمص، لا بل تمت تعبئتها بوجوب الاستعداد لبنانيا لملاقاة «الثورة» الآتية من حمص، وهذا ما يمكن أن يؤدي الى خلق إرباكات خطيرة قد لا يكون من السهل احتواؤها، خصوصا أن قادة تلك المجموعات لم يغادروا «حلم الإمارة» وما يمكن أن توفره من منافذ على البحر، وهذا يعني انفتاحهم على العالم الخارجي لاستقدام السلاح والإرهابيين من كل العالم.
– البيئة الحاضنة للجيش اللبناني، تمتد أفقيا في كل الطوائف والمناطق من دون استثناء، والتي باتت كلها تنظر الى المؤسسة العسكرية كصمام أمان ونقطة جمع بين اللبنانيين، وذلك في مقابل فئة لا تتعدى الواحد أو الاثنين في المئة تحاول انطلاقا من ارتباطاتها التكفيرية، خلق مناخات تحريض ضد المؤسسة العسكرية.