Site icon IMLebanon

مأزق الإسلام السياسي – الإسلام اللبناني أمام التاريخ

 

الدكتور عبد الحميد الأحدب الناشط الحقوقي والسياسي والإجتماعي صدر له مؤخرا كتاب بعنوان فقرتين متكاملتين متلازمتين، من كتابه مأزق الإسلام السياسي – الإسلام اللبناني أمام التاريخ، محددا لنفسه بهذا الإختيار من خلال مضمون مواضيع الكتاب وجهتين، أولاهما تناولت الوضع الإسلامي القائم، إنطلاقا من بعض أصوله التاريخية وصولا إلى آنيات المأزق الحاد الذي نمر به حاليا من خلال الهجمة الداعشية على حقيقة الإسلام دينا وعقيدة وقواعد قرآنية وتشريعا مستخلصا من الأحاديث النبوية الشريفة، ومن أعراف ومعاملات وممارسات صدرت عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فجاءت في محتواها الراسخ ونهجها السمح وأهدافها النقية الطاهرة، دينا توحيديا متكامل الطروحات الروحانية، ودنيا تناولها الإسلام في كل مواقعه ومواقفه، سواء من خلال النص القرآني الجليل أم من خلال نهج السنة النبوية الشريفة، فاذا بنا أمام دين ينبض بالتسامح والإعتدال والدعوة المتكررة إلى السلم، فالسلام عليكم، هي تحية الإسلام فيما بين أبنائه، وتحيته للآخرين من أبناء الاديان والمواقع الأخرى، خير معبر وخير دليل يشاع ويتردد بين الناس ملايين المرات في كل يوم وساعة ودقيقة وثانية، ويعج الكتاب الذي نتناوله هنا بالبحث والتحليل، بالآيات والأحاديث النبوية المنطلقة من الينابيع الأساسية للإسلام الذي يؤمن به ويتبعه المسلمون الحقيقيون المتشربون لحقيقته الروحية والإنسانية والتي لا علاقة لها بأي رابط أو شَبهٍ بما أحلّه على الإسلام والمسلمين ، أولئك الغاشمون في طروحاتهم الضالة والمضللة فلهؤلاء « دينهم « وهو في الحقيقة نقيض للدين بأي من إطاراته الروحية والإنسانية والأخلاقية وبالتالي للمسلمين الحقيقين ذلك الدين دينهم السمح الطاهر المعتدل المجبول بروح إيمانية حقيقية فتعكس على تصرفاتها البعيدة عن شيطانية ما نواجهه في هذه الايام التي وضع الإسلام فيها للناس جميعا، وليس للمسلمين وحدهم، جملة من القواعد – العناوين التي تدل عليه دينا ونهجا واعتدالا وسماحة. الدين المعاملة، يقول الإسلام للبشرية جمعاء، حتى لئن عمد الكفرة الجدد إلى تكفير المؤمنين وتناول الأعناق بالذبح والنحر وسلبهم أرواحهم وأوطانهم ونساءهم وأموالهم، وقبل كل شيء سلبهم حريتهم التي وصلت إلى حد أطلقها الدين الإسلامي من كل قيد: من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، أين هذا الإسلام المتمثل في الآيات القرآنية والآحاديث النبوية الشريفة، من إسلام هؤلاء الذين سطوا على كل حقيقته وأصالته الروحية والانسانية. ويجهد كتاب الدكتور عبد الحميد الأحدب في تفصيل المساوئ التي طاولت الدين الإسلامي الحنيف من خلال ما ألحقته الحركة الداعشية وأخواتها من الحركات، من أذى تُبذل اليوم جهود طائلة لتخليص الجسم الاسلامي النظيف العفيف الطاهر، من آثاره المؤذية.

وقد حفل الكتاب وفي كل صفحة وكل سطر من أسطره، بكلمة الحرّية، تلك البوصلة السحرية التي وضعها المؤلف أمام ناظره، يتوجه بتصويبها وهديها، ويحكم على الكون وعلى الدول وعلى السياسات وعلى المجتمعات والسياسات، من خلال قواعدها الحرة هي الأخرى من كل قيد وكل تقييد، وقد سمي كل اولئك الذين مروا على حياتنا السياسية خلال القرن الماضي وبدايات هذا القرن، فإذا بحسابه معهم عسير وخطير، وواقع الأمر أن رئاساتهم وزعاماتهم قد لقيت حسابها مع شعوبها التي إما أنها قد أطاحت بها خارج الحكم والسلطة وألقت بها خارج البلاد ، وإما أنها قد أعادتها إلى خالقها، بشكل أو بآخر، عله يعوض علينا ببدلاء عنها يناقضونها في حياة الطغيان الغاشمة التي فرضتها على دولها وعلى شعوبها.

وقد أصدر المؤلف ما بين دفتي كتابه، أحكامه الخاصة بحق هؤلاء. فقد ذكر أن أحداث حماه في مطلع الثمانينات ومذابحها ومعتقلاتها قد انضجت من سجنوا        أيامها فنظموا أنفسهم وهم في السجون لينقلبوا إلى محترفين للعنف ومن ثم للإرهاب إبتغاء لإسقاط السلطة التي قتلت منهم من قتلت وسجنت من سجنت، وفي مرحلة زمنية قريبة ساهمت مظالم نوري المالكي وأعماله الإستبدادية دون شك في تهيئة الأجواء والظروف الملائمة لظهور داعش في بعض المواقع العشائرية.

ولولا أن الاستبداد قد لازم سوريا طوال عقود من الزمن، ولولا أن الولايات المتحدة قد تلاعبت بالوضع السوري وأن أوباما قد غض النظر عن مجازر الكيماوي وعن تهديم المنازل على رؤوس المدنيين في حلب وسواها، لولا كل ذلك في سوريا وفي العراق لما كانت بيئتهما أصبحت حاضنة لكل هذا العنف، ولتآلفت المواقف الشعبية جميعا لتحقيق كل هذه التحولات باتجاه التطرف ولولا أحداث 7 أيار وما سبقها وما لحقها من أحداث العنف والإكراه واسقاط الأوضاع السياسية التي كانت سائدة، لكان لبنان في مأمن من كل تطورات حصلت أو قد تحصل نتيجة لهذا النهج العنفي.

ولولا سياسة الديكتاتورية والكبت والإستبداد التي مارسها القذافي ومعه الفراغ الفكري في ليبيا طوال 42 عاما، لما كنا قد شهدنا كل هذه الميليشيات تتقاتل اليوم بهذا الإنفلات وهذه الوحشية المدمرة على مجمل الأرض الليبية. ويصل المؤلف من خلال هذه المواقف المذكورة إلى أن التحدي الحقيقي يتمثل في ظهور عصر النور الفكري والديني والإسلامي العصري الذي يحترم الحرية والمساواة واحترام كرامة الإنسان فلا يحكم العلويون السنة باستبداد، ولا يحكم السنة أيام صدام حسين الشيعة باذلال ولا يحكم الشيعة السنة بالقهر والتجريح، ولا يحكم القذافي المجتمع الليبي ويذله ، بل يشرق صبح عصر النور بمناخ فكري حر ديمقراطي يحقق كرامة وسعادة الإنسان.

ويخصص الدكتور أحدب أحد مقالاته لتناول الأحداث التي اندلعت في العام 2011 وأطلقت إلى الوجود ما أسمي بالربيع العربي، ويبدو أنه كان متلهفا إلى مثل هذه التطورات التي يمكن بأجوائها وآفاقها إقالة العالم العربي من عثراته والإرتقاء به إلى مرتبة تتماشى مع روح العصر الحديث وتطوراته المذهلة في كل الحقول بما فيها السياسية والعلمية والتكنولوجية فضلا عن الثقافية والإجتماعية. ويذكر الدكتور أحدب في هذا المجال أننا في العالم العربي ، قد اختصرنا عشر سنوات في سنة واحدة خرجت سنة 2011 من تاريخ الاستبداد والدكتاتورية الطويل إلى الديمقراطية والحرية بالربيع العربي، حين أحرق بوعزيزي نفسه إحتجاجا على الظلم في تونس، وكرّت السبحة فهرب بن علي وسقط مبارك وتوالت الأحداث التغييرية بحلول الإسلام السياسي في كل من مصر وتونس وليبيا والمغرب، فهل انتقلنا بذلك من الدكتاتورية المدنية إلى الدكتاتورية الدينية، وتوالت الأحداث بعيد ذلك في مجمل امتدادات البلاد العربية ولم نجد بين النتائح الإيجابية الاّ القليل.

وننتقي من بين مقالات الكتاب الى عنوان تتساءل فيه : المسلون هم الذين يتصدون بدمائهم اليوم للديكتاتوريات الدينية ، فلماذا هذا الإحباط المسيحي؟ وهو مقال موجه أكثر ما يكون إلى الإخوة المسيحيين في لبنان وليصل الكاتب منذ مطلع المقال إلى أن هذا الاتجاه السياسي والفكري والإحباطي المتخوف يناقض مخزونهم الثقافي المشبع بالثقافة الفرنسية التي تشع من عصر النور الفرنسي والأوروبي، ثم يقول: بصراحة أنا أخاف كثيرا على المسيحين من هذا الإنزلاق ان الشعوب العربية لن تقبل ان تتحول مجتماعاتها المدنية مجتمعات دينية فلماذا هذا اليأس والخوف من هذه الدكتاتوريات؟ أوروبا أخذت خمسة قرون من سفك الدماء حتى وصلت إلى الديمقراطية، ومع ذلك ظهر هتلر في المجتمعات المسيحية الأوروبية.