ماذا وراء الإعلان عنه ما دام بُحث ورُفض من الحلفاء و«تيار المستقبل»؟!
مأزق الاقتراح العوني في ملعب صفقة ممكنة بين برّي وجنبلاط !
«المستقبل» حذرٌ من مدّ «حزب الله» يده للحوار: تقطيع للوقت بانتظار معطيات الملف النووي الإيراني
في اللعبة الديمقراطية، يكمن مأزق رئيس تكتل «الإصلاح والتغيير» النائب ميشال عون, الطامح إلى سلوك درب بعبدا, في عدم توفّر أكثرية نيابية لدى حلفائه توصله إلى سدّة الرئاسة، وإخفاقه في إقناع زعيم «تيّار المستقبل» سعد الحريري بتبني ترشيحه، مما يوفّر له غطاءً سنياً يُسبغه بسِمَة «المرشح التوافقي»، وعجزه عن استمالة مسيحيي «14 آذار» من كتل ونواب مستقلين لكسب أصواتهم.
وأمام الأبواب المُوصدة، ثمة نافذة يمكن الولوج منها لتحقيق الحلم القديم للجنرال، تتمثل بكتلة «اللقاء الديمقراطي» برئاسة وليد جنبلاط ، التي أَضحت، نتيجة الإصطفافات السياسية الحادّة «بيضة القبّان»، تُحدِّد بوصلة الأكثرية في الاستحقاقات الكبيرة والصغيرة.
ومن هذا المنطلق، يأتي طرح عون الذي أعلن عن استعداده للنزول إلى مجلس النواب لمواجهة مرشّح قوى «14 آذار» سمير جعجع، إذا تعهد رؤساء الكتل النيابية الأخرى بعدم تقديم مرشّح ثالث، والمقصود به - وفق قيادي في «التيار الوطني الحر» - مرشّح «اللقاء الديمقراطي» النائب هنري حلو.
ويعزو هذا القيادي خلفيات طرح عون إلى توجسٍ فعليّ لدى التيار من تمرير صفقة، من تحت الطاولة، بين قوى «14 آذار» وجنبلاط إذا تأمّن نصاب الجلسة، بحيث يحصد مرشّح جنبلاط ، وربما مرشّح آخر، متفق عليه سراً، على أغلبية 65 صوتاً لدى فرز الأوراق في صندوقة الاقتراع، فيكون بذلك قد انتُخِبَ الرئيس وأُسقط بيد عون.
وفي قراءة أوساط نيابية في قوى «14 آذار»، فإن طرح عون يشوبه التناقض، ذلك أن رفضه وجود مرشّح ثالث لتبديد توجّسه من وصول هذا المرشح لسدة الرئاسة بأصوات جنبلاط يؤول إلى استنتاج أن لدى عون مخاوف من خروج جنبلاط على التفاهم مع «حزب الله» في الاستحقاقات المصيرية، فإذا كانت لديه شكوك كهذه، فكيف يضمن عندها أن أصوات كتلة «اللقاء الديمقراطي» ستصبّ في مصلحته حين تنحصر المنافسة بينه وبين جعجع.
وتذهب تلك الأوساط إلى الاعتقاد بأن توجّس عون من المرشح الثالث، لا يستثني حلفاءه في قوى «8 آذار»، فهو يُدرك أن جنبلاط لا يذهب في هكذا مغامرة بعيداً عن «توافق أو تنسيق ما» مع «الثنائي الشيعي»، أو أقله مع رئيس المجلس نبيه برّي، ما يعني أن الصفقة يمكن أن تمر «بغض الطرف» من قبل «حزب الله» غير القادر على المساومة العلنية على اسم حليفه المسيحي، في وقت فتحت قوى «14 آذار» الباب أمام انسحاب جعجع لمصلحة مرشّح توافقي.
على أن طرح الجنرال لا يعتريه تناقض من وجهة نظر «التيار»، بل يدخل ضمن «استراتيجية» الوصول إلى ما يمكن وصفه بـ «ساعة الحقيقة»، إذ أنه مع غياب المرشح الثالث وحصر المنافسة بين عون وجعجع، فإن «حزب الله» سيكون أمام احتمال من اثنين: إما وصول جعجع إلى سدّة الرئاسة، وإما الضغط على الزعيم الدرزي لتجيير أصوات كتلته لصالح عون، وهو ضغط سبق أن مارسه «الحزب» ونجح من خلاله في تغيير موازين القوى السياسية، يوم الإطاحة بحكومة الرئيس سعد الحريري والإتيان بحكومة نجيب ميقاتي.
وفي معلومات كشفها القيادي في «التيار»، فإن اقتراح عون جرى بحثه مع «الحلفاء»، وفي الحوارات مع زعيم «تيار المستقبل»، لكنه لم يحظ بقبول من الجميع، الأمر الذي يُسقط الرهان في أن يُشكّل إعلانه اختراقاً يمكن التأسيس عليه لإنجاز الاستحقاق، ويُدرجه تالياً في خانة «الاستثمار الشعبي» في مواجهة اتهامات التعطيل التي تطال زعيم «التيّار» وتحدّيه من قبل رئيس حزب «القوات» بخوض مواجهة ديمقراطية في البرلمان.
وعلى الرغم من المناخات التي يُشيعها برّي حول تلمس إيجابيات في ملف الرئاسة، انطلاقاً من مساعي الدفع باتجاه حوار بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» تأسيساً على ما اعتبر موقفاً إيجابياً للأمين العام لـ «حزب الله» في التاسع من محرّم من الحوار الذي دعا إليه الحريري في شأن الانتخابات الرئاسية، فإن «المستقبل» يسبر أغوار موقف «حزب الله» في ظل أجواء حذر من أن يكون قرار «مدّ اليد» ليس إلا محاولة لتقطيع الوقت بانتظار تبلوّر المعطيات الإقليمية على وقع ما ستفضي إليه مفاوضات الملف النووي الإيراني مع دنو الموعد النهائي الاثنين المقبل، نجاحاً أو فشلاً، في التوصّل إلى تسوية شاملة، ذلك أن ثمة اتجاهاً واضحاً لدى «المستقبل» بعدم تكرار حوار «الوقت الضائع» ما دامت آفاقه مسدودة إقليمياً، كما داخلياً في ظل إصرار عون على تعطيل الاستحقاق إذا كان لا يؤول إلى وصوله إلى سدّة الرئاسة من منطلق كونه المرشح الأقوى مسيحياً، ومجاراة حليفه «حزب الله» لهذا «القرار المأزوم»، إذا حان الوقت لاستحقاقات تستدعي وجود رئيس على رأس الجمهورية!