التشكيل الذي بدد بعض اجواء التشاؤم ليحل مكانها تفاؤل حذر، مع الحديث عن تركيز الحكومة على الوضع الاقتصادي، وسط اختلاف القراءات للربح والخسارة استنادا الى تعداد الوزراء المحسوبين على هذا الفريق او ذاك، وثلث ضامن موجود أو مفقود.
في صلب التشكيلة الوزارية كفاءات وقدرات، اختلافات في السياسة لكن من دون تناقضات،الى حد توقع فيه الوزير علي حسن خليل ان تكون الحكومة منتدى حواريا حقيقيا لاننا امام تجربة جديدة ستحكم توزيع القوى السياسية في المرحلة المقبلة،رغم ان متابعة اعلام الثامن من آذار تظهر جليا اعتباره ان «محور الممانعة» الذي نجح بايصال الرئيس ميشال عون الى بعبدا استكمل مسلسل انتصاراته الاحد مع صدور التشكيلة الحكومية التي جاءت لصالحه بحسب مصادر متابعة، نتيجة احداث حلب وتطوراتها، سواء من خلال الحصول على اكثر من الثلث الضامن المطلوب، او من خلال نوعية الوزراء، وبشكل خاص تولي «محامي الحزب» الوزير السابق سليم جريصاتي وزارة العدل المعنية الاولى بملف المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس الحريري، وهو ما المح اليه الرئيس نجيب ميقاتي في تغريداته،هامسا من قناة صفقة ما على هذا الصعيد.
في المقابل ترى مصادر بيت الوسط ان الصورة مغايرة لكل ما يشاع، اذ ان حساب حصة رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر الى جانب الثامن من آذار امر مجاف للواقع، اولا لان الرئيس عون هو ضمانة للجميع وهو الحكم، وثانيا ان العلاقة بالتيار الوطني محكومة بالاتفاق الذي ابرم قبيل الانتخابات الرئاسية، والذي سيشكل ضابطا للعلاقات والتوازنات السياسية خلال فترة العهد «العوني»،كاشفة ان في مواجهة صقور الثامن صقور لا يقلون تشددا،كالوزراء الجراح وكبارة والمرعبي المعروفون بتشددهم ازاء حزب الله والثامن من آذار، داعية الى انتظار كيف سيكون عليه البيان الوزاري قبل الحكم، والذي سيكون برنامج عمل الحكومة عاموده الفقري خطاب القسم، ومحوره الاساس الوضع الاقتصادي والاجراءات التي سيعمل عليها للتخفيف عن المواطنين، والذي يعني عمليا وضع البند الثاني من اتفاق باسيل-الحريري حول الرؤية الاقتصادية موضع التنفيذ، مؤكدة ان لا خلاف حول باقي النقاط، كاشفة ان الرئيس عون لن يفرط بالدعم العربي والدولي الذي حظي به العهد والذي عكسته زيارات الموفدين والرسائل الى القصر الجمهوري، حرصا منه على تعزيز العلاقات مع تلك ما يسمح بعودة الاستثمارات الى لبنان، الامر الذي يسهم في عملية النهوض او على الاقل وضع حد للهريان المستفحل في كافة انحاء الجسم اللبناني.
من جهتها اكدت اوساط التيار الوطني الحر ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ملتزم بتطبيق احكام الدستور وهو لن يسمح باي «مشاغبات» هدفها التعطيل داخل الحكومة، لان المطلوب انتاجية وفعالية في العمل لبت الملفات الاساسية المرتبطة بالحياة اليومية للمواطنين والتي لا تميز بين الثامن والرابع عشر من آذار،وهو سيشكل دافعا لها في معالجة الكثير من الملفات العالقة، على رغم عمرها القصير ومهمتها الاساسية المرتكزة الى اجراء الانتخابات النيابية في شهر ايار المقبل والنجاح في هذه المهمة لتجنب اللبنانيين سكين قانون الستين ومحادله، مشددة على ان انتخاب العماد عون اسقط تلك التسميات، رغم علمه المسبق بانها بتركيبتها الفضفاضة التي اوجبها تمثيل الجميع وشعار الوحدة الوطنية وعمرها الذي لا يتعدى اشهرا لن تتمكن من النهوض بالبلاد لكثرة وتعدد الملفات العالقة وتاليا تحقيق تطلعات اللبنانيين الى عملية الاصلاح ووقف الهدر وانتظام عمل المؤسسات، التي تتطلب اكثر من ورشة اصلاح على اكثر من صعيد سياسي واقتصادي وانمائي.
ودعت الاوساط البرتقالية الى التدقيق في «التوزيعة» الحكومية قبل اعطاء هوية لتلك الحكومة، موردة ان الحكومة تضم 8 وزراء للمستقبل و4 للقوات، في مقابل 8 للثنائي الشيعي وحلفائه، وتسعة لرئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر وحلفائه، و2 للقاء الديموقراطي، معترفة بان تلك الحكومة لا تلبي طموح وتطلعات رئيس الجمهورية،انما هي افضل الممكن في ظل ضرورة الاسراع في ملء الفراغ في السلطة التنفيذية لمواجهة الاستحقاقات الداهمة.
بعد حوالى سبع سنوات على مغادرته، سار امس الرئيس الحريري على السجاد الاحمر المفروش له نحو مكتبه، ليبدأ معركة جديدة في رئاسة حكومة تختلف الآراء حول هويتها السياسية وطابعها الآذاري. فهل يصحّ توصيف الحكومة الجديدة بحكومة الثامن من آذار؟ ام هي حكومة الرابع عشر منه؟ ام حكومة بيضة القبان العونية، بعدما فقد بيك المختارة هذه الوظيفة؟ ام دشنت تشكيلة الحكومة الجامعة لمتغيرات التحالفات؟
الاكيد ان الاصطفاف السياسي السابق لم يعد موجودا «بحديديته» وان المواضيع التي ستدرج على جدول الاعمال ستشهد مزيجا غريبا عجيبا يخرق كل التصورات والاعتقادات.