IMLebanon

قراءة أوّلية في دلالات الأرقام السنّية الإنتخابية

 

800 ألف ناخب لبناني، دخلوا في مناسبة انتخابات 2018 للمرّة الأولى إلى نادي الناخبين في لبنان، ويشترك هؤلاء في أنّهم لم يكن سنّهم القانوني يَسمح لهم الاقتراع في انتخابات 2009، ونتيجة انقطاع العملية الانتخابية منذ ذاك العام 2013 حتى العام 2018، فإنّ هذه الشريحة لم تمارس حقَّها الانتخابي قبلاً.

وعلى اعتبار أنّ عدد الناخبين لهذه الدورة الانتخابية بلغ 3 ملايين و600 ألف ناخب، فإنّ الكتلة الناخبة الجديدة، المقترعة للمرّة الأولى والبالغة 800 ألف، تشكّل تقريباً ربع الناخبين اللبنانيين. السؤال الذي حاول أن يؤشّر إليه وزير الداخلية هو عن دور هذه الكتلة الناخبة الجديدة في إحداث نقصٍ في حجم تمثيل «المستقبل» داخل الديموغرافيا السنّية في المدن الرئيسة، من صيدا إلى بيروت إلى البقاع الغربي وصولاً إلى طرابلس.

تلميح المشنوق الذي يملك بحكم موقعه في وزارة الداخلية أسرارَ أرقام تحوّلات الديموغرافيا اللبنانية، يخفي في نظر قريبين منه معلوماتٍ لديه عن أنّ الجيل الجديد الناخب من السُنّة، انقطعت صِلته بتيار «المستقبل»، فيما الجيل السابق عانى من تشظّي اللوائح السنّية، وخصوصاً في بيروت الثانية التي كانت فيها 9 لوائح، أكثر من نِصفها يأكل من صحن قاعدة الحريري السنّية الانتخابية.

أمّا في طرابلس فإنّ لائحة الرئيس نجيب ميقاتي (السنّي الاوّل من حيث الحجم الانتخابي) لم تأكل فقط من الكتلة الاجتماعية السنّية التابعة للحريري، بل أيضاً جُيّر قسمٌ منها لخدمة مرشحين من غير السنّة للفوز بمقاعد المدينة غير السنّية. لقد كان ملاحظاً أنّ حواصل مقاعد الحريري في هذه الدائرة (طرابلس – المنية ـ الضنّية) لم توفّرها في الاساس اصواتُ السُنّة في مدينة طرابلس، بل قوّة الرفد التي جاءَتها من المنية وأقلام الموظفين.

الخلاصة الأساسية التي يَجري استنتاجها لدى بيئات التفكير الانتخابي الخاصة بالحريري، تؤشّر، وبالاستناد الى محافظة «المستقبل» على زخمِه الانتخابي في عكار، هي هل تحوَّلت قاعدة الزعامة الحريرية السنّية الى زعامة ريفية وتتركّز في الأطراف الجهوية النائية، وأطراف مدنِ الأرياف (المنية مثلاً بالنسبة إلى طرابلس)؟. وهل هذه الزعامة انقطعت صِلتها بالجيل الجديد من السُنّة، وخصوصاً تلك التي «ولِدت انتخابياً» بعد العام 2009؟.

لقد احتفَظ الحريري بـ 17 مقعداً سنّياً، وخسر المقاعد العشرة السنّية المتبقّية. وهذه الأخيرة ذهبَ 8 منها لمصلحة تحالف 8 آذار، ومقعد سنّي واحد لمصلحة ميقاتي ومقعد سنّي واحد لمصلحة وليد جنبلاط. بمعنى آخر خسر الحريري من التمثيل السنّي النيابي نحو 37 في المئة.

والمسؤولية عن ذلك، بحسب قريبين من الدائرة التي تدرس سلوكيات الانتخاب السنّي، تعود إلى ثلاثة أسباب:

ـ الأوّل: الكتلة السنّية الناخبة الجديدة، وهي حتى الآن واضحٌ تأثيرُها في ما حصَل عموماً، على الرغم من أنّها لا تزال غيرَ محدّدة بدقّة، وذلك في انتظار درسِ أرقامها كما ظهَرت في انتخابات 2018.

ـ ثانياً: قانون الانتخاب النسبي الذي بطبيعته يُحتّم ضمورَ الكتل الكبرى.

ـ ثالثاً: التشظّي السياسي للساحة السنّية الذي سمحَ بولادة عددٍ من اللوائح التابعة لمراجع سنّية تقضم من صحنِ القاعدة الانتخابية والاجتماعية الحريرية السنّية، خصوصاً في المدن السنّية كبيروت وطرابلس. وفي شأن هذه النقطة الثالثة، فإنّ هناك مسؤوليات تتحمّلها أطراف عدة وليس للحريري يدٌ أساسية فيها، وأبرزُها ما حصَل خلال العامين المنصرمين من تشويش في ثباتِ العلاقة بين مرجعية آل الحريري لسُنّة لبنان وبين المرجعية الإقليمية للسُنّة في لبنان.

ويمكن حالياً، وبالاستناد إلى مصادر قريبة من «بيت الوسط»، كشفُ عددٍ مِن الثغرات التي كانت قد برَزت في القاعدة الاجتماعية الناخبة للحريري منذ العام 2011، وكان قد تمَّ التنبّه إليها داخل تيار «المستقبل» وجرت محاولات لمعالجتها، ولكن يبدو أنّها لم تكن كافية.

داخل النخَبِ السنّية في طرابلس، بَرز اعتقاد بأنّ نظام «الطائف» حقّق للسُنّة في لبنان مكاسبَ سياسية لكنّه لم يترك تأثيرات إيجابية على وضعهم الاقتصادي. واستندت مثلُ هذه الاستنتاجات على أرقام حول توزّعِ الفقر في الشمال تفيد أنّ نسبته في المناطق التي يقطن فيها المسيحيون تبلغ 25 في المئة، في حين يبلغ في مناطق السُنّة 75 في المئة.

وحدثَ أيضاً في العقدين الأخيرين صدعٌ في الفوارق الاجتماعية داخل ديموغرافيا سُنّة الشمال أيضاً، ويُظهر إحصاءٌ للأمم المتحدة أنّ نسبة الفقر بين المواطنين السُنّة في حيٍّ راقٍ (بستاتين طرابلس) هي 18 في المئة، فيما نسبة الفقراء في حيَّي باب التبانة وأبو سمرا الشعبيَين هى على التوالي 75 في المئة و87 في المئة.

لقد حَدثت في بيروت صدوع من هذا النوع أيضاً خلال السنوات الأخيرة، وكلّ ذلك كان يتعاظم في ظلّ اضطرار الحريري لمواجهةِ ظروفٍ قسرية اضطرّته للابتعاد عن لبنان وتزامنَت مع ضمور مؤسّساته الخدماتية وحتى شركاته التي توظّف لبنانيين كثراً، وذلك لأسباب لم يكن للحريري، ايضاً قدرة على مواجهتها.

حينما قرّر الحريري العودة إلى لبنان بأيّ ثمن، وطرح آنذاك مبادرته ترشيح الرئيس ميشال عون، دافعَ عنها في وجه معارضيها في بيئته السياسية وداخل «المستقبل» بالقول: «إنّ ديموغرافيا الاجتماع السنّي في لبنان تتعرّض لتبدّلات وتحوّلات اجتماعية وسياسية كبيرة، إضافة إلى هجرةٍ نازفة. والمطلوب وقفُ هذا المسار الكارثي». وقدّم أرقاماً عن كتلٍ اجتماعية سنّية هاجرَت من لبنان خلال سنوات 2011 ـ 2016.

ويبقى في هذا المجال إشارة أخيرة مهمّة، وهي أنه خلال مرحلة أزمة الحريري في السعودية وعودته منها، تمّ عن طريق المصريين والفرنسيين طرحُ تسويةٍ بين الرياض و»بيت الوسط»، تضمَّنت ملاحظة أن ترعاها القاهرة وباريس. ودور القاهرة في هذه الرعاية ينصّ على أن تقدم بدعم باريس «صيانة سياسية» للزعامة الحريرية في مرحلة ما بعد عودة الحريري عن استقالته إثر عودته من السعودية. وتهدف هذه الصيانة إلى دعمِ بقاء الحريري مرجعيةَ جمعٍ للطيف السنّي السياسي في لبنان، منعاً لدخول السُنّة في نفق التشظّي السياسي أو الإحباط السياسي، وتمّ ضِمن هذا السياق، طرح فكرةِ إنشاء ثنائية سياسية بين الحريري وميقاتي لقيادة الاعتدال السنّي في لبنان، وذلك على نحو يحاكي الثنائية القائمة بين حركة «أمل» و»حزب الله» في الساحة الشيعية.

والسؤال اليوم هو هل إنّ نتائج انتخابات 2018 السنّية تُظهر الحاجة لإعادة تفعيل دور القاهرة وباريس ضِمن تسوية «بيت الوسط» مع الرياض في شأن اضطلاعهما بتقديم «صيانة» للزعامة الحريرية المطلوبة عربياً ودولياً، وذلك داخل الساحة السنّية خصوصاً واللبنانية عموماً.