وراء اندفاع الرئيس سعد الحريري في “تسوية” رئاسة النائب سليمان فرنجيه مجموعتان من الأسباب في رأي متابعين جدّيين ومن مواقع سياسية متناقضة لغالبية مراحل هذه التسوية حتى الآن. من أسباب المجموعة الأولى حرصه على ملء الشغور الرئاسي، إذ من شأنه إعادة الحياة إلى المؤسستين الدستوريتين اللتين تعطلتا جرَّائه، وتأمين الحاجات الخدماتية للبنانيين، والمحافظة على الاستقرارين الهشّين الأمني والسياسي، والحؤول دون انزلاق البلاد إلى حرب مذهبية. وقد عزّزت معرفته بعدم وجود مظلة دولية فوق لبنان خلافاً لما يشيعه اللبنانيون، وتلقّيه نصائح وربما ضغوط من جهات دولية وازنة جداً تدعوه إلى العمل لمبادرة تجنِّب لبنان الجحيم، معتبرين أنها وحدها تشكِّل مظلة الأمان للبنان. ومن أسباب المجموعة الثانية رغبته في العودة إلى لبنان بعد تأمين وإن نسبي لأمنه المهدَّد فعلياً فيه، ورغبته أيضاً في استعادة ثقة الشعبية الواسعة وخصوصاً السنّية التي ورثها عن والده الشهيد والتي قدَّمت كل ما يحتاج إليه من دعم. وهو يعرف أن هذه الثقة اهتزّت لأسباب كثيرة قد لا يُسأل عنها كلها، لكنها لم تؤدِّ إلاّ إلى انسياق قلّة منها نحو التطرُّف الإسلامي السنّي، إذ بقي معظمها معه رغم حاجاتها الحياتية والإجتماعية الملحّة وامتناع المملكة العربية السعودية عن سدّ بعضها لأسباب متنوعة، وتقصيره هو في ايلائها الاهتمام الذي تستحق جرّاء الصعوبات المادية التي يعاني منها منذ سنوات. وهو يريد العودة إلى رئاسة الحكومة لمحو الإذلال الذي تعرّض له على يد منافسيه السنّة في لبنان وأخصامه أو ربما أعدائه من الشيعة وغيرهم يوم أسقط هؤلاء حكومته في أثناء دخوله مكتب الرئيس الأميركي في البيت الأبيض. ومن أسباب المجموعة الثالثة رغبته في استعادة الموقع المهم في المملكة العربية السعودية ولا سيما داخل العائلة الحاكمة الذي ورثه من والده الشهيد، والذي عزّزه بحركته السياسية في السنوات الأولى التي أعقبت عملية الاغتيال. إذ لا يخفى أن موقعه ضَعُفَ وخصوصاً بعد تغيُّر “العهد” في السعودية، وبعد عجزه عن المشاركة في إدارة الأوضاع في لبنان وإن من خارج، الأمر الذي سمح لأعدائه وأعداء المملكة بتحقيق نجاحات كثيرة. ورئاسة الحكومة وحدها هي التي تعيده إلى الحلقة الضيّقة داخل الحكم السعودي وتعيد له مكانته وخصوصاً إذا عرف كيف يوظِّف علاقات والده الشهيد العربية والدولية وعلاقاته من أجل المملكة وفي الوقت نفسه لبنان. أما من أسباب المجموعة الرابعة وهي طبعاً من أصحاب النيّات السيئة فأبرزها رغبة الرئيس الحريري في تعزيز وضعه المالي من خلال العودة إلى رئاسة الحكومة. ربما كان يجب عدم ذكر ذلك. لكن الصديق هو من صدق لا من صدَّق، ولأن الروائح التي فاحت في السابق من بعض حاشية كل المرجعيات الرسمية لا تطمئن.
ما هي حقيقة موقف “حزب الله” من “التسوية الرئاسية” للحريري ومن ترشيحه فعلياً وإن على نحو غير رسمي النائب فرنجيه لرئاسة الجمهورية؟
يجيب متابعون ومن قرب لمسيرة “الحزب” أنه يستبعد أن تكون “طبخة فرنجيه” محلية بحتة. فأميركا لها دور مهم فيها (وقد تمّ شرحه سابقاً وذكر أسبابه)، والمملكة العربية السعودية لها دور مهم ومباشر فيها أيضاً. وفرنسا لها دور مماثل علماً أن أهميته قد لا توازي أهمية الدورين الأولين. فهي اقتنعت جرّاء الاتصالات التي أُجريت معها أن رئاسة فرنجيه ضرورية لأنها تجمع 8 و14 آذار في حكم واحد وحكومة واحدة وتبقي استقرار لبنان وإن هشاً. وهذا هو هدفها الأول. ووعدت بإثارة هذا الأمر مع إيران، كونها أحد الناخبين الإقليميين الرئيسيين لرئيس جمهورية لبنان، يوم يزور رئيسها الشيخ حسن روحاني باريس رسمياً، لكن الزيارة أُلغيت بعد مجزرة باريس. وبعد ذلك أبلغت طهران إلى باريس جواباً عن سؤال يتناول رئاسة لبنان موقفاً يعتبر أن ذلك الشأن لبناني، وأن إيران لا تتدخَّل، وأن حليفها “حزب الله” وتحديداً أمينه العام السيد حسن نصرالله هو صاحب القرار في هذا الشأن. وللفاتيكان دور أيضاً في “الرئاسة” ذاتها. فهو مهتم باستقرار لبنان، واللبنانيون المؤيدون لفرنجيه الذين لهم كلمة مسموعة في بعض دوائره أقنعوه بدعم “التسوية الرئاسية”. وكاد يسري ذلك على الكنيسة المارونية لولا مبادرة عدد من مطارنتها إلى الاعتراض. لكن استمرار بعضهم في التسويق لفرنجيه يدلّ على “قبة باط” من بكركي والفاتيكان.
بين المرشح العماد ميشال عون والمرشح سليمان فرنجيه أين يقف “حزب الله” ولماذا؟