البنت عمرها 4 سنوات، قسطها في المدرسة 5,200,000 ليرة لبنانية فقط لا غير، عدا عن حساب أسعار الشوكوماكس والبيكون وخبز السندويشات اليومي، والعزايم إلى أعياد ميلاد الأطفال التي يمكن أن تكلّف ثروة موازية…
تذهب إلى مدرستها الخاصة من الثامنة صباحاً وحتى الثانية ظهراً، 6 ساعات يعني، تنام خلالهم ساعة إلزامية وترسم ساعة وتلوّن ساعة وتغنّي باقي الوقت… وهي بحمد الله وبعد مرور 9 أشهر أصبحت تعرف الألوان باللغة الفرنسية وتطلب دخول الحمام باحترام، واكتسبت قدرة عجائبية على فَخت طبلة أذننا بأغنيات الميلاد والفصح التي حفظتها كالببغاء، وبسّ… يعني فعلياً عشنا مديونين العام الماضي ولم نتناول اللحم إلّا نادراً، من أجل ماذا؟ من أجل أن لا تتعلّم البنت شيئاً يُذكر وتكلّف ثروة في مدرسة خاصة… يوبّي.
أنا لا أعرف إذا كان بالإمكان تعليمها نفس كميّة المعلومات بـ300,000 ليرة مثلاً أو مجاناً، لأنها صراحة تعلّمت من «تي جي» أكثر ممّا تعلّمت من «الدونزل» (Demoiselle باللبناني)، واشتراك الدشّ بـ10 دولار بسّ… ولكننا نعرف جميعنا ومن دون أدنى شكّ أنّ الدولة اللبنانية الكريمة تسمح لمجالس إدارة المدارس الخاصة بِنَتفنا ومصّ دمنا وسلخ جلدنا بأقساطهم الهرقولية، وتسمح لهم بتحويل أولادنا إلى مشاريع «بيزنس» ناجحة تدرّ الملايين على أصحاب الضمائر الفجعانة.
أصبح التعليم الخاص في لبنان مبنياً على العرض والطلب تماماً مثل بيع المعادن الثمينة، وكلّما ازداد عدد التلاميذ كلّما تشجّعت الإدارة على زيادة الأقساط، إيماناً منها بخوف الأهل من تعليم أولادهم في المدارس الرسمية المهترئة ولجوئهم إلى «مسالخ التعليم الخاص»، على رغم كمبيالات المنازل والسيارات والكهربائتَين والمياهَين وحسابات الدين عند الدكنجي بعلبة تون وكاسة زيتون…
نحن أحبّ شيء على قلبنا أن نسمع أقوالهم ولا ندفع أقساطهم، تلك الأقساط التي باتت تشبه بيع «لبنة معزة» بسعر علبة «فوا غرا»… لم تعد أقساط المدارس بأيّ شكل من الأشكال متطابقة مع مستوى عيش اللبناني ودخله ودفوعاته، تلك الأقساط التي يمكن أن تكبّد اللبناني دفع أكثر من مليون ليرة شهرياً على مدى 12 شهراً إذا كان لديه وَلدان فقط في مدرسة خاصة… يعني مين بعد بيسترجي يجيب ولاد؟
تسطفِل المدارس الخاصة بأقساطها، وهي تملك كلّ الحق في فرض التسعيرات التي تريد على شعب لا يناصره نائبه ووزيره والمسؤول عن حقوقه في شيء، ولا حتى بعدد أرغفة الخبز في الربطة.
ولكن الدولة اللبنانية تتحمّل وحيدة مسؤولية سرقتنا مرّتين، مرّة بعدم خياطة فخت جيبنا من كثرة السرقة، ومرّة بعدم العمل على تحسين قطاع التعليم الرسمي وجعله يتمتّع بأدنى مستويات النظافة والإدارة والانضباط والسلوك، حتى نتشجّع على لبط باب مدير المدرسة الخاصة ورَمي الأقساط «السينييه» (Signé) في القمامة، وانتشال أولادنا من مصانع الديماغوجية الأكاديمية.
الجميع يعلم أنّ أفضل أساتذة لبنان وأكثرهم كفاءة يعملون في القطاع الرسمي، ولكن في غياب الإدارة والاستراتيجا ومنهجيّة التعليم الصحيحة لا تستطيع المدرسة الرسمية أن تستقطب ثقة الأهل، حتى لو كان أفلاطون أستاذ دولة.
نحن لا نطالب الدولة بتحويل ثانوية «شلح الأرز» ولا تكميلية «عشّ الحسّون» الرسمية للبنات إلى فرع جديد لجامعة «السوربون»، ولكننا نناشد كلّ من لا يدير «دَينته الطرشة» أن يوظّف أصحاب الكفاءة ويفرض سياسات صارمة ويبني استراتيجية حكومية واضحة تُعيد المدرسة الرسمية في لبنان إلى واجهة التعليم النزيه والواعد، وتعزّز ثقة الناس بهذه المدارس، حتى يتمكّنوا من رفع موس الأقساط قليلاً عن رقابهم والإطمئنان إلى مستقبل أولادهم بين أيدي أساتذة الدولة.
بيقولولك الوَلد بيجي وبتجي رزقتو معو، صحّ… بَسّ ما بيقولولك إنّو بلبنان المدرسة الخاصة بتشفطها.