تتوزع اهتماماته من فردان إلى دير الزور فمؤتمر هرتسيليا.. ومحاصرته تَحدّيه الأكبر
إنشغال حزب الله سورياً وإشغاله أميركياً وإسرائيلياً يزيده تصلباً في الداخل
توقّع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أن يكون لبنان دولة من اللاجئين لن يتعافى بسهولة
شكّل الاجتماع الثلاثي الذي عُقد في طهران قبل نحو اسبوع، وضم كلا من وزراء الدفاع الإيراني العميد حسين دهقان والروسي الجنرال سيرغي شويغو والسوري العماد فهد جاسم الفريج، محطة فاصلة في سياق الصراع الدولي في سوريا. ذلك ان هذا اللقاء الذي تم بدعوة رسمية من طهران «للبحث في التنسيق المشترك بين الدول الثلاث في محاربة الجماعات الإرهابية، وفي مقدمتها تنظيمي داعش وجبهة النصرة»، أعاد الزخم الى العملية العسكرية المشتركة على الاراضي السورية، من غير ان ينجح بالضرورة في إصلاح أو تجسير ما بان من تشققات في العلاقة بين طهران ودمشق وحزب الله من جهة، وموسكو من جهة أخرى، على خلفية التباين في كيفية استثمار التدخل الروسي في المسار السياسي الذي لا يزال عالقاً على مجموعة من النقاط، منها وليس أهمها مسودة الدستور السوري الجديد الذي طرحته موسكو على دمشق والذي رفضته القيادتان السورية والإيرانية.
الزخم العسكري المتوقع سورياً ستكون معركة دير الزور المرتقبة أولى ظواهره، مع إبراز دور متقدم لـ«حزب الله» الذي يبدو ان كتائب المشاة العائدة له ستكون رأس حربة في هذه المعركة، في حين تتحدث معطيات امنية عن مشاركة ما لا يقل عن ٢٠٠٠ محارب من الحزب جرى حشدهم تحديدا لدير الزور ذات الأهمية الاستراتيجية للحزب ولإيران، كجسر إمداد بين العراق وسوريا، واستطرادا بين إيران ولبنان.
في هذا السياق، تعتقد مصادر سياسية رفيعة أن قيادة «حزب الله» المنشغلة في التحضير للمعركة الاستراتيجية المرتقبة في دير الزور، لا ترغب بما يشغلها محليا، على الأقل في الفترة المنظورة، عن هذه المعركة، ما خلا معالجة مسألة علاقة جمهور الحزب، وتاليا الجمهور الشيعي، بالنظام المصرفي المحلي على خلفية ازمة قانون العقوبات الاميركي.
وتشير المصادر الى ان قيادة الحزب نجحت الى الآن في استيعاب ما تبع تفجير بنك لبنان والمهجر من إرهاصات وتداعيات، لا بل أظهرت الايام الاخيرة انها أفادت منه لتسريع الحوار مع حاكمية المصرف المركزي والذي انتهى على ما يبدو الى التزام المصارف اللبنانية كلها بلا استثناء بالتعاميم الصادرة عن الحاكم رياض سلامة، والتي تنظّم آليات تطبيق القانون الأميركي لجهة علاقة هذه المصارف بزبائنها من الجمهور الشيعي، افرادا ومؤسسات وشركات تجارية.
وترى المصادر ان الكلمة المرتقبة للأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله نهاية الاسبوع الطالع ستحدد معالم تعاطي الحزب سياسيا مع المرحلة المقبلة التي يتوقعها حارة على خلفية الحرب الاميركية المعلنة عليه ماليا واقتصاديا واجتماعيا لتجفيف منابعه وتحريض جمهوره عليه، معطوفة على التهديد الاسرائيلي المتجدد على الجبهة الشمالية مع لبنان، في وقت تحيي تل أبيب الذكرى العاشرة لحرب تموز ٢٠٠٦ (وفق التوقيت العبري) بنبرة عدائية ظاهرة يتقصّد المسؤولون الحكوميون الاسرائيليون تظهيرها في هذا التوقيت بالذات، وهو تصعيد لا تفصله قيادة حزب الله عن الحرب المالية الأميركية، لا بل تتحوّط له، وهو ما سيبرزه بوضوح السيد نصر الله في خطابه المرتقب.
ولئن يعتقد مراقبون أن هذا التصعيد الاسرائيلي يعكس في جزء رئيس منه حدة التنافس على قيادة معسكر اليمين، فإن التهديد الذي حمله كلام وزير التعليم نفتالي بينت، ينبئ بمرحلة جديدة يتم التحضير لها اسرائيليا، بدأت تحديدا منذ زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الى موسكو قبل أشهر قليلة.
وكان بينت، وهو زعيم حزب البيت اليهودي المتطرف، قد أعلن انه، كعضو في المجلس الوزاري الأمني، سيعمل على تغيير قواعد اللعبة بحيث تكون الحكومة اللبنانية كلها عدواً وليس حزب الله وحده وتكون أراضي لبنان كله مستهدفة وليس فقط مواقع حزب الله، بينما هدد القائد العام للجيش الجنرال فادي ايزنكوط بتحويل لبنان كله «ضاحية جنوبية».
وإذا كان من المسلم به، وفق المصادر السياسية الرفيعة، أن انشغال حزب الله بالحرب السورية لم يحجب عنه يوما مواصلة التحضير للمواجهة الجديدة التي يتوقعها آجلا ام عاجلا عند الحدود الجنوبية، فإن التسعير الكلامي الاسرائيلي الذي يترافق مع اعمال مؤتمر هرتسيليا السادس عشر، الذي يعقد هذا العام بعنوان «جدول أعمال اسرائيلي في محيط شرق اوسطي مضطرب»، وهو عادة ما يشكل مراجعة حيوية للمستويين السياسي والعسكري – الأمني، ويضع استراتيجياً لمواجهة الأخطار التي تترقبها تل أبيب.
وتلفت المصادر الى ان التهديد الأخطر الذي حمله مؤتمر هرتسيليا، برز في مداخلة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية هرتسي هليفي الذي توقع ان يكون لبنان «دولة من اللاجئين لن يتعافى بسهولة، وحزب الله سيخسر تأييده السياسي»، مع إبرازه «تهديد حزب الله الذي تنامى وتعاظم عسكرياً في السنوات الأخيرة»، وذلك في معرض تقديمه تقويماً للوضع الأمني والتهديدات والفرص في مختلف الجبهات.
وتخلص المصادر الى ان الحرب الناعمة التي تشنها واشنطن على حزب الله، بالتكافل والتضامن مع التهديدات الاسرائيلية والرامية في شكل أساسي الى تجريد الحزب من حاضنته الشعبية، معطوفتين على الحرب السورية، ستزيد من تشدد قيادة الحزب لبنانيا، وهي بالتأكيد لن تتهاون مع أي إشغال محلي لها، سواء كان سياسيا أم غير سياسي، وتاليا لا تعويل على اختراق في الملف الرئاسي في المدى المنظور، وهو امر بات يدركه المسؤولون والمرشحون على حد سواء، وأسهم في تراجع موجة التفاؤل الرئاسي التي شغلت مساحة واسعة في الاهتمام السياسي في الأسبوعين الأخيرين.