منذ لحظة انكشاف ثقل القياديين الذين استهدفتهم الغارة الإسرائيلية في القنيطرة، بدأ الضغط الشعبي على “حزب الله” من أوساط محور المقاومة تحديداً للرد على الهجوم. وبدا ذلك واضحاً خصوصاً في هاشتاغ “حضّروا ملاجئكم”، الذي أطلقه مناصرو الحزب بالعربيّة والعبريّة على “تويتر” وتناقله الملايين.
خسارة في هذا الحجم لـ”حزب الله” ومعه ايران لن تمر بسلام. ليس من عادة الحزب أن يتجاهل اعتداء اسرائيلياً أصغر بكثير من الغارة على مزارع الامل في القنيطرة. وهو ليس قادراً هذه المرة تحديداً على عدم الرد، بعد الحديث التلفزيوني الطويل لأمينه العام السيد حسن نصرالله، وكشفه علانية امتلاك الحزب “كل أنواع الاسلحة”، وتسميته صراحة صواريخ “الفاتح 110” الإيرانية القادرة على اصابة سلسلة من الأهداف والمنشآت الإسرائيلية الإستراتيجية. وليس مستبعداً أن يكون الحزب أعد الرد سلفاً بعد تلويح نصرالله للدولة العبرية بما يملك من أسلحة في ذروة الحملة الانتخابية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
الى ذلك، أتت الغارة الاسرائيلية في ظل ارتفاع وتيرة الحديث في وسائل الاعلام الغربية خصوصاً عن ضعف الحزب وفساده وقابليته للاختراق. وهذا الكلام عززه اعتراف نائب رئيس المجلس التنفيذي الشيخ نبيل قاووق بأن الحزب “يواجه التجسس داخل صفوفه”، وسط تقارير مفادها أن “حزب الله” اكتشف أن أحد قادته، وهو محمد شوربة، كان جاسوسا إسرائيليا. وإذ تشكل غارة االقنيطرة اختراقا أمنياً اضافياً، قد يستغل الحزب رده عليها لتوجيه أكثر من رسالة وفي أكثر من اتجاه.
بالطبع، ليس قرار الرد في يد “حزب الله” وحده. فالهدف ايراني قبل أن يطاول الحزب. وثمة تقارير تفيد أن ثلاثة ايرانيين لا واحدا سقطوا في الغارة. وطهران التي تعتبر لبنان وسوريا خطها الدفاعي الاول ضد الدولة العبرية، لن تسمح لاسرائيل بتحديد خطوط حمر لها في الجولان. غير أنها في الوقت نفسه لن تذهب على الارجح الى مغامرة تطيح مفاوضاتها النووية مع الغرب، فتحقق لاسرائيل ما سعت اليه بكل ما تملك من ثقل سياسي في الكونغرس ودوائر القرار في واشنطن.
على قدر العوامل التي تدفع في اتجاه رد على عملية اسرائيلية بهذا الحجم، تبدو محاذير الذهاب الى حرب مفتوحة من لبنان خصوصاً، على غرار ما حصل عام 2006، كبيرة ايضاً. فالوضع الداخلي في لبنان مختلف تماماً عما كان قبل ثماني سنوات. وأية مغامرة للحزب في ظل الجبهات الداخلية المفتوحة والكامنة تشكل انتحاراً حقيقياً ودفعاً بالبلاد الى هاوية محتومة. ومع ذلك، تبقى كل الاحتمالات واردة بين خصمين لدودين، بما فيها جبهة الجولان أو حتى غزة، بعد محاولات اعادة مد الجسور مع “حماس”. ولكن في ظل دينامية الحرب السورية وبروز “النصرة” لاعبا قويا في الهضبة، قد تكون “حرب الظل” بين ايران واسرائيل على موعد مع جبهات جديدة شرسة في ساحات العالم الواسع.