يتداعى المسؤولون اليوم الى اعلان حال طوارئ اقتصادية للخروج من التعثر الاقتصادي الحالي، وهذه خطوة مشكورة وضرورية وأساسية، الّا انّ «الوصفة الطبية» معروفة وواضحة ويتوافق عليها معظم الاقتصاديين، وهي تحتاج الى نيّة حقيقية في التطبيق والتنفيذ.
صار واضحاً انّ الحل ليس بزيادة الضرائب، بل بإيقاف الهدر اولاً، والاهم اقتلاع المحميات الاقتصادية وفك الاحتكارات، وهي لازمة اردّدها في كل مناسبة، لأنّ ضرر الاحتكار كبير جداً على اقتصادنا الوطني وهو يمنع التنافسية، كما ايجاد مداخيل جديدة لا تمسّ بجيب المواطن، وهو ما كنا اقترحناه مراراً عبر فرض ضرائب على العديد من النشاطات التي تستغل البحر والبرّ والجبال والهواء والأملاك العامة من دون أن تدفع مقابلاً. والأمثلة هنا كثيرة بدءاً من: الكسارات والمقالع والأملاك البحرية، الإعلانات، الألعاب الإلكترونية، تجارة الأسلحة المهرّبة، واحتكارات المطار. كلّها نشاطات تتمّ في الظلمة يستفيد أصحابها من دون دفع أيّة ضريبة تُذكر، في حين نستميت في فرض ضرائب على المنتجين الذين يوفرون فرص عمل .
وبالتالي، يجب العمل سريعاً من ضمن خطة الطوارئ لتحقيق النقاط الآتية:
– تطبيق مبدأ التنافس وفك الحصريات، والامثلة على ذلك كثيرة منها: شركة طيران الشرق الاوسط، الكازينو، ادارة التبغ والتنباك، المرافئ، المطارات، وحصريات الدولة مثل: الهاتف والخليوي والبريد والكهرباء وغيرها، ومنع الدولة من التدخّل في حماية الوكالات الحصرية تماشياً مع الاتفاقات التي وقّعها لبنان لاعتماد التنافس الحرّ وزيادة التنافس في الاقتصاد الوطني.
– النفايات: وضع شروط عامة وواضحة للشروط المقبولة في ادارة النفايات، وفتح باب التنافس، والسماح لكل من يرغب من شركات القطاع الخاص بمعالجة النفايات وترك الخيار للبلديات باختيار الخدمة الاكثر ملاءمة وتنافسية. ويبقى الحل الافعل هو اشراك البلديات والقطاع الخاص في الحلول وتحفيزهما على المساهمة في معالجة هذه الكارثة البيئية على كل الصعد.
– الكهرباء: تحرير القطاع وخصخصته، اي خصخصة الانتاج من خلال السماح للشركات الخاصة بانتاج الكهرباء، والدولة تشتري من المنتج الاكثر تنافسية من حيث السعر والخدمة.
– الضرائب العقارية: إعتماد تخمين مركزي وقيَم تأجيرية منطقية ترتبط بالسعر الحقيقي والواقعي وحسب الاسعار الرائجة حالياً، وتخفيض الضرائب البلدية والمالية على العقارات ورسوم التسجيل الى ارقام منطقية، لأنّ الارقام المُعتمدة الآن مبنيّة على فكرة أنه ستتمّ عملية رشوة لتخفيض التخمينات والقيَم التأجيرية حتماً، فنرفعها لانه سيتمّ تخفيضها عبر الرشاوى، ولكن إذا اعتمدنا تخميناً مركزياً وقيَماً تخمينية عادلة وتشمل كل الاراضي اللبنانية، فسترتفع الجباية حتماً، وعندها نستطيع أن نمنع الوكالات غير القابلة للعزل أو العادية، ونعتمد على تسجيل نهائي للعقار عند كل عملية بيع او شراء، والاهم تحريك القطاع العقاري المصاب بالركود المخيف والخطر، لأن العقار هو اساس ضمانة القروض من المصارف.
– تطوير المطار: الاستفادة من مطار رفيق الحريري الدولي لادخال العديد من الخدمات التي لها مردود اقتصادي مهم، مثل ادخال خدمة الـVIP الى المطار وتطوير خدمات صالون الشرف وفتح صالونات جديدة مدفوعة، كما إنشاء فندق لتسهيل عمليات الترانزيت، وايجاد خدمات مبتكرة مثل: التاكسي، الباصات، المروحيات والمطارات الداخلية. كما تعميم تجربة الاسواق الحرة على المعابر البرية وتحديد نسب مماثلة تعود للدولة اللبنانية، والاهم هنا إنشاء مطارات جديدة في البقاع والشمال من خلال القطاع الخاص وبمزاد علني شفاف.
– توقيف كل الصناديق الصحية من ضمان وغيرها، واطلاق التأمين الصحي الالزامي، وتمويل الحكومة البطاقة الصحية لكل لبناني مدخوله اقل من 20 مليوناً سنوياً من خلال قطاع التأمين الخاص وتحويل اجهزة الضمان الى اجهزة رقابية على اداء الشركات الخاصة وتحديد الكلفة واعطاء المواطن حق تحديد الشركة. فجمع الصناديق كافة يوفّر جزءاً من حاجات تمويل البطاقة الصحية الخاصة للدولة اللبنانية. اما تلزيم الخدمة للقطاع الخاص فيعود الى انّ شركات التأمين تؤمّن تغطية واسعة وخدمة سريعة بأسعار تنافسية مقارنة مع الصناديق العامة كافة.
– الادوية: يستورد لبنان 1.4 مليار دولار أدوية، ويمكن توفير النصف إذا لجأنا إلى أدوية الـ generic كما هي الحال في غالبية دول العالم.
– اطلاق اصلاح شامل وجذري لمؤسسة الضمان الاجتماعي، حيث انّ الوضع الراهن يُعتبر مزراباً للهدر والفرص الضائعة. فيوجد اكثر من 100 الف مضمون لشركات وهمية ما عدا اصحاب سيارات الاجرة الذين يستفيدون من التعويض بدلاً من السائقين، كلفة ادارية عالية، زيادة معاشات اوتوماتيكية سنوية لموظفي الضمان غير مرتبطة بالأداء، ادارة تتغاضى عن حفظ حق المضمونين عبر غض النظر عن مقاضاة الدولة اللبنانية والمؤسسات العامة التي لا تسدّد اشتراكاتها لصندوق الضمان، في حين اي صاحب عمل يتخلّف عن التسديد لا يستطيع الحصول على براءة ذمة، مما يسبب شللاً في عمله ومنعه من الاستيراد. وهذا ربما مفهوم، ولكن الغريب في الموضوع منعه من التصدير، وفشل تطبيق المكننة بعد كل هذه السنوات وعدم اصدار بطاقة فردية ممكننة، غموض في كيفية ادارة صندوق نهاية الخدمة من حيث المداخيل، بالاضافة الى انّ تسويات نهاية الخدمة غير منطقية ولا تعطي العامل حقه الكامل مقارنة بتوظيف هذه المبالغ في المصارف التجارية، وابلغ مثال عن سوء الادارة المتفاقم هو الـتأخّر المأساوي في دفع بدل الادوية والإذلال الذي يتعرّض له المواطن جراء ذلك، والكلفة المبالغ فيها للمضمون في المستشفيات بالمقارنة مع شركات التأمين الخاصة.
– اصلاح التعليم الرسمي في لبنان وتطويره. فمن غير الجائز ان تغطي الدولة نفقات تعليم اولاد موظفي ومدرسي القطاع العام في مدارس خاصة. انّ هذا اعتراف ضمني بعدم فعالية التعليم الرسمي، فكيف سيثق المواطن اللبناني في ادخال اولاده الى مدارس رسمية في حين انّ استاذ المدرسة الرسمية نفسه يقوم بتعليم اولاده في مدرسة خاصة. انّ تجربة القطاع الخاص في التعليم مشهود لها بفعاليتها، وبالتالي يجب ان يُصار الى تلزيم المدارس الرسمية لمؤسسات القطاع الخاص، وفتح باب التنافس، اي عدم اعتماد مؤسسة خاصة واحدة، وبات معروفاً انّ مبلغ 2000 دولار سنوياً هو اكثر من كافٍ لتأمين التعليم بأفضل المستويات في المراحل الثانوية. انّ تطوير التعليم الرسمي سيؤدي الى ايقاف دعم الدولة تدريجياً تكاليف تعليم اولاد الموظفين والاساتذة الرسميين في المدارس الخاصة، حيث سيستعيد الجميع الثقة بقطاع التعليم الرسمي. ومن خلال التلزيم ستنخفض كلفة التعليم ويرتفع المستوى، وعدم السماح بفتح اي مدرسة يقلّ عدد تلاميذها عن الـ500 تلميذ، وهذا سيؤدي بعد الاصلاحات والاستعانة بالقطاع الخاص الى مضاعفة عدد التلاميذ بعدد الاساتذة نفسه.
اذا تمّ تطبيق الوصفة الطبية يمكننا الخروج من العجز خلال 3 سنوات وبالتالي يتحسن تصنيف لبنان ونعود الى فوائد معقولة. هذا جزء من فيض، مما يجب العمل عليه، ولكن يبقى الاهم هو ان نأخذ موضوع الشفافية بشكل جدّي وحازم، حيث أنّ السيطرة على المداخيل وإقفال مزاريب الهدر لن يتما ما لم يصر الى تطبيق اسس الحوكمة والتخطيط والالتزام بالمهل والمكننة واعتماد الشفافية التامة، وان نبادر الى نشر كافة الحسابات العامة والمداخيل على الانترنت لاطلاع الرأي العام، مما يعيد ثقة المواطن بالاجراءات الضريبية وبالحكومة والقطاع العام.
وهنا نتوجّه الى كل المعنيين لنقول «الوصفة الطبية» واضحة والتوافق عليها تقريباً من جميع الفرقاء ما عدا المستفيدين مباشرة من عدم تنفيذها.