ما زلنا ننظر إلى المنصب كوسيلة منفعة شخصية لمن سيتولاه، منفعة له ولأتباعه وللمقرّبين منه، فلا يُنظر إلى أي مركز وكأنّه وسيلة للخدمة العامة، حيث من سيتولاه سيقدّم التضحيات ويقوم بعمل دؤوب لتحقيق الفائدة للمجتمع بكامله. ويُنظر إلى السياسة وكأنّها مهنة دائمة، يستغلها أصحابها لجمع الاموال وتراكم النفوذ، وتوريث المناصب للأبناء والأحفاد.
كما ما زلنا ننظر إلى المنصب وكأنّه جائزة ترضية تُعطى لطرف سياسي بغض النظر عن كفايته أو خططه أو قدرته على إدارة الامور.
ونستمر في تخويف الشعب من انّ شخصاً معيّناً هو الوحيد القادرعلى تسلّم زمام المسؤولية، وهذا ما يتمّ به تبرير بقائه في السلطة لفترة زمنية طويلة.
هذه الأفكار بالطبع خاطئة جداً، ونشدّد على انّ المنصب يجب ان يكون موقع خدمة عامة يشغله الشخص بعد ترك أعماله وحياته لفترة محدّدة قصيرة، ليخدم المجتمع، مشاركاً خبرته وإنجازاته، ويعود بعدها إلى حياته العملية بعد انتهاء ولايته المحدّدة والقصيرة. وهذا ينطبق على كل منصب سلطة او قرار من الرئاسات الثلاث إلى الوزراء والنواب والمدراء العامين، وبعد خبرتنا، خصوصاً حاكم مصرف لبنان المركزي الخ…
وأستحضر هنا تجربة الرومان في الحكم، والتي أثبتت نجاحها وحوّلت روما من مجتمع زراعي إلى واحدة من أكبر امبراطوريات العالم القديم. كان الرومان يؤمنون في انّ لديهم ما يكفي من الشخصيات والخبرات لتأمين تداول السلطة، وبالتالي حدّدوا وقت الحكم ومركز المسؤولية. بالإضافة الى ذلك، كان الرومان يستقطبون إلى المراكز من أثبت نجاحاً في حياته العملية وحقق الإنجازات الملموسة.
وأؤكّد انّ في لبنان لدينا أكثر من ذلك، لدينا كفايات وخبرات تفوق حاجاتنا، فنستطيع تبديل المراكز والوظائف في شكل دائم، ويبقى لدينا فائض.
إنّ تطبيق محدودية وقصر فترة المنصب مقرونة بالشفافية تجعل إساءة واستغلال الموقع ضئيلة، وبالطبع وضع شروط محدّدة لكل منصب، وهذه سنناقشها في ما بعد.
من جهة اخرى، نرى خططاً واقتراحات وكلاماً للخروج من أزمة انتخاب رئيس الجمهورية المتعثرة حتى الآن، ولكن الملفت انّه في خضم كل هذا الجدل لم يتطرّق أحد إلى السؤال عمّا سيقوم به الرئيس المقبل؟
اما إذا كان الجواب عن ذلك، انّ الرئيس لا يستطيع القيام بشيء لأنّه لا يملك صلاحيات، فاذاً لماذا كل هذا القتال حول شخص الرئيس؟
كنا ننتظرمن كل مرشح ان يُقدّم لنا مشروعه المتكامل الذي يتضمن أيضاً موقفه من كافة الاستحقاقات التي يواجهها لبنان:
ما هي توجّهاته وقناعاته الاقتصادية؟ هل يملك خطة محدّدة لمواجهة كمية المشكلات والأزمات؟
الا يحق لنا أن نفهم شخصية الرئيس الاقتصادية والخطوط العريضة التي سيؤسس عليها ولايته؟
الا يمكن ان نسأل إذا كان مؤمناً بالشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة، وسيعمل خلال عهده على إقرار قانون للشفافية ويعمل على تطبيقها بدءاً من القصر الجمهوري وصولاً إلى كل عمل القطاع العام؟
هل ستكون أولوياته إعادة الودائع للمودعين واعتبار ذلك المدخل لبناء اقتصاد وتجديد الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني؟ (هذه النقطة وردت في «مشروع وطن» الذي قدّمه النائب نعمة افرام ونهنئه على ذلك).
هل يُدرك انّ الناس فقدت تعويضاتها، وهذا يؤسس لأزمة اجتماعية خطيرة، وانّه من الأولويات إعادة بناء صندوق التعويضات لرفع الظلم عن شريحة واسعة من اللبنانيين؟
هل هو مؤمن بالاقتصاد المنتج والاستفادة من مقومات لبنان المتعددة على كل الصعد لتكبير الثروة والخروج من التعتير؟
ما هو تصوّره لحل أزمة التعليم في لبنان، وهل يملك حلاً مستداماً لذلك؟
هل يُدرك واقع الإجراءات الادارية في لبنان التي تعرقل الإنتاجية والقوانين الحقيرة التي تهرّب المستثمرين؟ هل سيعمل خلال ولايته على تغيير ذلك؟
الا يحق لنا ان نسأل عن إنجازات المرشح لرئاسة الجمهورية؟ ماذا حقق؟ ما هي مؤهلاته؟
هل سيعيّن فريق عمل كفؤاً قادراً على مساندته في دعم هذه الأفكار والقضايا او غيرها؟
نحلم انّه حين يترشّح أحدهم لمنصب رئيس الجمهورية، يقوم بالتعريف عن فريق عمله وخطة العمل بالتفصيل، وما النقاط التي سيحاول ان ينجزها خلال العهد الرئاسي وعبر أيّ وسائل؟
كما نحلم (لا تواخذونا قصة ابريق الزيت) ان تصبح الشفافية الدرع الواقية في لبنان، تمنع عمليات الهدر والسرقة والسمسرة، فكل يوم نكتشف فضيحة جديدة تتعلق بهدر المال العام. في اختصار، لا إصلاح حقيقياً من دون الشفافية المطلقة.