تبدو معركة رئاسة الجمهورية مُحتدمة، في شقها الداخلي، بين مرشحين اثنين هما رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون، وإن يكن هناك من لا يستبعد ان يؤدي خلط الأوراق في الـ”مولينكس” الرئاسي الى إنتاج اسم آخر من خارج المتداول والمتوقع، اذا اقتضت «الصفقة» ذلك.
يملك كل من الرجلين الآتيين من عالمين مختلفين عناصر قوة وضعف تترك كل الاحتمالات واردة بالنسبة إلى كليهما، في انتظار حسم اسم الرئيس رسمياً واكتمال الولادة التي غالباً ما تكون قيصرية، كما تُبيّن التجارب.
والتنافس بين فرنجية وعون غير مستجد وليس محصوراً في الاعتبارات الرئاسية الطارئة، بل هو انعكاس او امتداد لخلاف موجود اصلاً واتخذ أشكالاً مختلفة بعد وصول عون الى قيادة الجيش.
وعلى رغم التعقيدات والصعوبات التي تواجه فرنجية في السباق الرئاسي، الا ان المتحمسين له ما زالوا مقتنعين بأنه صاحب الأفضلية وبأنّ انتخابه ممكن ضمن فترة قد لا تتجاوز حدود الأشهر الأربعة الأولى من العام الجديد.
ويعتبر هؤلاء انّ الأكيد هو ان وضع فرنجية الآن ليس بالتعقيد الذي كان عليه وضع العماد ميشال عون عندما قرر الترشح الى رئاسة الجمهورية مدعوماً من «حزب الله»، «بحيث انّ احتمال انتخاب عون بَدا آنذاك شبه مستحيل، ومع ذلك ما لبثت المعادلة أن انقلبت ووصل الجنرال الى قصر بعبدا بتأييد الـ»سين سين» المحلية التي كانت ضده، سعد الحريري وسمير جعجع».
وبناء عليه، يعتبر داعمو فرنجية ان فرصته لا تزال كبيرة بالمقارنة مع ظروف تجربة انتخاب الجنرال، «خصوصاً انه ليست لديه أصلاً خصومات حادة كتلك التي كانت سائدة بين مؤسس التيار الوطني الحر والآخرين، إضافة إلى ان شرايين علاقاته الإقليمية والدولية غير مسدودة، وبالتالي فهو يبدأ مشواره من مكان مُطلّ في السياسة على القصر الرئاسي».
ويلفت هؤلاء الى انه حتى لو بقي عون وباسيل على موقفيهما برفض دعم فرنجية، فليس مستبعداً في لحظة الحقيقة أن يعمد نواب غير حزبيين في تكتل لبنان القوي الى التصويت له والتمايز عن قيادة التيار الحر.
ويدعو مؤيّدو فرنجية الى الاخذ في الحسبان انّ الوقائع السياسية الحالية، الخارجية والمحلية، ليست ثابتة وجامدة «بل هي قابلة للتبدل والتحول، والأمر يحتاج إلى بعض الصبر، مشيرين الى انّ فرنجية لم يستخدم بعد كل أسلحته في المعركة الرئاسية».
ويتساءلون: «ماذا لو زار السفير السعودي في لبنان وليد البخاري بنشعي بعد حين والتقى فرنجية وهذا الاحتمال غير مستبعد عقب رمزية مشاركة رئيس «المردة» في منتدى الطائف بدعوة من البخاري؟ ألا يمكن عندها أن تتغير المعادلة مع ما سيتركه ذلك من تأثير على سلوك بعض الكتل والنواب؟».
في المقابل، يعتبر محبّذو انتخاب العماد عون انه صاحب الفرصة الأكبر والأكثر واقعية للوصول إلى بعبدا في ظل الاستعصاء الذي يواجه مرشحي الاصطفافات السياسية.
ويلفتون الى انّ ما يميّز جوزف عون هو أن التسوية تحتاجه اكثر مما هو بحاجة اليها، وسط دعم مُتزايد له من قبل الخارج الذي سيصبح اللاعب الاقوى في الاستحقاق الرئاسي مع مطلع السنة المقبلة بعدما اخفقت القوى الداخلية على امتداد عشر جلسات انتخابية في لَبننته، «والأرجح ان بعض هذا الخارج، وفي طليعته قطر، سيحاول الدفع في اتجاه تسويق اسم عون، على قاعدة انه يمكن أن يمثّل المساحة المشتركة الاوسع، ولعل زيارته الأخيرة الى الدوحة لا تخلو من الدلالات في هذا الاتجاه».
ويشير المتفائلون بأرجحية عون الى انّ التوافق عليه يحتاج إلى وقت، إذ انه لا يمكن أن يتم في بداية المخاض وإنما في مراحله المتقدمة حيث تشتدّ عندها الأوجاع ويغدو انتخاب «الخيار المرقّط» حاجة للخروج من المأزق، وبالتالي يصير تعديل الدستور لهذا الغرض مقبولاً، على قاعدة انّ الضرورات تبيح المحظورات».