Site icon IMLebanon

الرئاسة بين المشاورات.. والمناورات

يُجمع العديد من المُراقبين السياسيين في البلد وخارجه، على حجم الأزمة التي يمر بها لبنان من جرّاء الفراغ الرئاسي الذي تخطى السنتين من عمره من دون التمكّن من الوصول إلى نظرة مشتركة من شأنها أن تضع حداً لهذه «المهزلة» التي لم تنتج في الأصل من فراغ، إنما بفعل ممارسات وضغوط يقوم بها «حزب الله»، أو «مايسترو» جوقة التعطيل في البلد، منذ أن سلّط سلاحه على الداخل.

أزمة التعطيل ومن يقف خلفها، بحثها أمس الرئيس سعد الحريري في موسكو خلال لقائه وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف حيث أكد له «أننا قمنا بمبادرات عدة لإنهاء الشغور الرئاسي في لبنان، ولكن حتى الآن هناك معطل أساسي هو حزب الله»، مضيفاً: «أنا لبناني معتدل، مسلم سني، ضد أي نوع من الإرهاب، والذين يدعون أن هذا هو الإسلام من داعش أو النصرة أو القاعدة أو غيرها من المنظمات الإرهابية لا يمثلون أي نوع من الإسلام».

هذا الخوف على البلد الذي يُترجمه الرئيس الحريري في كل لقاءاته وتصاريحه، لم يُلاقه «حزب الله» فيه، حتّى اليوم في أي فعل أو كلام حتّى، إذ إن كل هم الأخير، مُنصبّ على الحرب في سوريا من دون الاكتراث إلى الدماء والويلات التي تجرّها هذه الحرب على الجميع. والحرب هذه، كانت سبباً أساسيّاً للقلق الذي يُسيطر على بيئة الحزب داخل المناطق التي يُطلق فيها العنان لسلاحه وقوانينه المُفصّلة على قياس جماعته والمحسوبين عليه، وخصوصاً في الضاحية الجنوبية، والمبني على هاجسين سيطرا على الساحة. الهاجس الأوّل، كان الإفراط في فرض عملية الأمن التي وصلت الى حد التهويل على الناس وبث أجواء سلبية من خلال إغلاق الطرق والأحياء الداخلية بطريقة عشوائية غير منظمة، الأمر الذي أحدث حالات إرباك في صفوف الأهالي تطوّرت إلى إشكالات فردية في العديد من المناطق. وفي الثاني، كان الصمت المُخيف الذي فرضه الحزب على كل ما يرشح عن الحرب الشرسة التي تدور منذ أيّام في «حلب» وتكتمه عن حجم المشاركة فيها والخسائر التي تنتج عنها.

ركن الناس في هواجسهم، إلى كلام السيد حسن نصرالله في اليوم الأوّل لمناسبة ذكرى «عاشوراء»، والذي دعا خلاله إلى «عدم ازعاج الناس خصوصاً في الليل، والتنقل على الأقدام بدلاً من السيارات للتخفيف من زحمة السير وغياب كل شكل من أشكال المظاهر المسلحة». وأمل هؤلاء في أن تُترجم دعوات نصرالله إلى أفعال، لا أن تظل صرخات في الهواء على غرار التعاطي الذي حصل مع دعواته السابقة المتعلقة بوقف إطلاق الرصاص في المناسبات. وما زاد من تخوّف الناس أيضاً وأيضاً، كلام آخر لنصرالله قال فيه: «إن الحل السياسي في سوريا بات بلا أفق، وإن الفصل يعود للميدان وحده». جملة كان وقعها مزلزل على بيئة الحزب التي كانت تأمل بخطوة ما من شأنها أن تُعيد أبناءها من المستنقع السوري، وإذ بكلام نصرالله، يُبشرها بحرب طويلة وبخسارة المزيد من الأبناء والآباء والأشقاء.

هو كلام جديد لنصرالله وربما هي المرّة الأولى يُسمع فيها هذا النوع من الكلام على لسان أحد قادة «حزب الله»، مع العلم أن نصرالله نفسه، كان يؤكد في جميع إطلالاته وخطاباته منذ إعلان الثورة في سوريا وحتّى وقت قريب، على الحلول السياسية، لدرجة أنه خاطب تنظيمي «داعش» و«فتح الشام» (النصرة سابقاً) في الذكرى العاشرة لحرب تمّوز بالقول «أنتم تم استغلالكم خلال خمس سنوات لتهديد محور المقاومة وشعوب المنطقة لتقوم أنظمة مكانكم عميلة خانعة للأميركي والإسرائيلي»، مضيفاً في حينه «إذا كنتم من الإسلام ومن محبي النبي، ألقوا السلاح».

التنصّل من الوعود و«لحس» العهود، ليس بأمر جديد على قادة «حزب الله»، وإنما هي عادة ثابتة لديهم وربما تندرج كبند أساسي ضمن وثيقة الحزب السياسية التي تتجدد في الظاهر فقط لا في المضمون، وهذا ما يجعل من التزاماتهم وتعهداتهم السياسية وغير السياسية، عُرضة للتشكيك الدائم وعدم أخذها على محمل الجد خصوصاً عندما تتعلق الأمور بمصير وطن ما زال يعتبره الحزب تفصيلاً صغيراً مُقارنة مع المشروع الذي تُديره إيران في المنطقة من خلاله بشكل مُباشر. والسؤال الذي يُوجّه إلى نصرالله: أين هي المسؤوليات التي يتحمّلها «حزب الله»، هل هي التعطيل أم الفساد أم ضرب المؤسسات وتدميرها، أم مسؤولية إرسال الشباب الى جبهات في سوريا وقتلهم دفاعاً عن الأسد ونظامه وإجرامه؟.

بالنسبة إلى النكسات والنكبات التي تُلاحق «حزب الله» وحلفاءه، فهي الأخرى تخلق نوعاً من اللا توازن في خطابات قادته وتجعلهم عُرضة للإنتقاد لما تتضمن من مُغالطات وتحريفات واتهامات باطلة وظالمة بحق أفرقاء ذنبهم الوحيد أنهم لم ينزلقوا معهم في الخيارات والمسارات القاتلة التي يُصرّون على السير بها على الرغم من التكاليف الباهظة التي يدفعها جمهور الحزب من دمائه واستقراره وأمنه ولقمة عيشه، وفي علاقاته مع إخوانه في البلد ومع مُحيطه وجيرانه في المنطقة.

لطالما ردد قادة «حزب الله» وعلى رأسهم نصرالله، عبارات وجملاً تخوينية بحق خصومهم، يصل بعضها إلى حد «العمالة»، إمّا لصالح الولايات المتحدة الأميركية، «الشيطان الأكبر»، أو الإسرائيلي، لكن ماذا لو تمعّن نصرالله وقادة حزبه في الكلام الذي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية يوم الجمعة 30 أيلول، ويعود لتسجيل صوتي يوثق لقاء جمع وزير الخارجية الأميركي بعدد من الناشطين السوريين خلال الشهر الماضي في مقر البعثة الهولندية بالأمم المتحدة والذي قال فيه الأوّل: «إنّ أميركا لن تقاتل حزب الله مع تصنيفها له كمنظمة إرهابية، إذ إنّه لا يتآمر ضدها». كما شدد على «الحل السياسي والحكومة الانتقالية»، مقترحاً «مشاركة المعارضة في الانتخابات التي سيترشح إليها بشار الأسد». ثم ألا يُعتبر كلام كيري، بمثابة تغطية للحرب التي يخوضها «حزب الله» في سوريا، وتغطية لكل الفظائع والارتكابات التي يقوم بها إلى جانب بشاّر الأسد و«الحرس الثوري الإيراني»؟.

 v