لا تخطئ التطوّرات المتسارعة، في الذهاب إلى استخلاص حقيقة أنّ الانسداد الحاصل في ملف الرئاسة، سيؤدي إلى أن يقوم الطرف الذي لم يستطع تمرير مرشحه الرئاسي، بالضغط بأساليب غير تقليدية، ومتوقّعة. لم يكن رئيس حزب «القوات اللبنانية»، الذي خصّص وقتاً طويلاً من خطابه في يوم الشهداء، لاغتيال الياس الحصروني، في وارد حصر الكلام بالجريمة.
كان المقصود تسليط الضوء على عملية اغتيال مركّبة، لا يمكن أن يقوم بها هواة، تُنبئ بأنّ مرحلة من التهديد الجسدي قد بدأت، أسوة بالمسلسل الذي نُفّذ، مع محاولة اغتيال مروان حمادة، وباقي قادة ثورة الاستقلال في العام 2005، لهذا بات على الكثيرين الذين من المفترض بهم أن يحتاطوا للآتي، أن يبدأوا بإجراءاتهم لتخفيف خطر التعرّض لهم.
ينطلق هذا المعطى من وقائع لا تخطئ. الأمل الممانع بتسويق المرشح سليمان فرنجية داخلياً وخارجياً، يتلاشى. على الصعيد الخارجي، لم يعد للمبادرة الفرنسية أي أمل بالحياة، فهذه المبادرة باقية في الشكل، وهي تلفظ أنفاسها في الواقع، لأنّ الأمر أصبح لمجموعة الخمس، التي لن تقبل بما تطرحه فرنسا وبما تسعى إليه. لذلك أصبح ترشيح فرنجية بعيداً جداً عن الواقع، والموقف شبه الإجماعي داخل مجموعة الخمس، ينحو إلى الدفع باتجاه انتخاب قائد الجيش جوزاف عون، على أن تكون هناك خطة طوارئ رئاسية لجهة الأسماء، إذا تعذّر الوصول بعون إلى بعبدا.
على صعيد الداخل، بدت مبادرة الرئيس نبيه بري كأنها حرث في الماء. فعلى الرغم من توفّر عدد يفوق الـ80 نائباً سيشارك ممثلون عنهم في الحوار، ستكون مقاطعة مؤثرة من قوى رئيسية تفوق الـ40 نائباً. هذه القوى تعارض الحوار قبل انتخاب الرئيس، ومعارضتها ستضع الوسطيين الجالسين، سواء أكانوا حقيقيين أم منحازين ضمناً لـ»حزب الله»، في موقف باهت، لا يستطيع فيه الرئيس نبيه بري المباهاة بأنه أنجز حواراً حقيقياً.
من دون «القوات اللبنانية» و»الكتائب» وكتلة «تجدّد» وجزء من التغييريّين، لا يكتمل مشهد الحوار. وإذا عقدت هذه الطاولة، فستكون بمثابة نزهة مدرسية نظّمها رئيس المجلس، لن تحقّق أهدافُها إلا بعضاً من الثرثرة، على رصيف الترفيه الإعلامي والسياسي.
لن يكون الموقف الداخلي ولا التقدير الخارجي للأوضاع في لبنان، مؤاتيين للممانعة في سعيها لفرض المرشح الواحد. ربما لذلك فتح «حزب الله» الأبواب مع قائد الجيش، بطريقة هزّت ترشيح فرنجية، ووضعته في خانة أداة المناورة، فللمناورة حدود زمنية، إذا تخطتها يصبح التخلص منها أقلّ ضرراً من الاستمرار بها.