IMLebanon

إيران تبحث ملف الرئاسة في الخيمة السعودية

 

تجاهل الإعلام الممانع تسليط الاهتمام على زيارة السفير الإيراني مجتبى أماني إلى دارة السفير السعودي وليد بخاري، ربما لأنّ مثل هذا الخبر يفضح سرديته الوهمية القائمة على بطولات جبهاته الجانبية المتكاثرة على هوامش الجبهة الرئيسية في غزة، والتي تنمو كالطحلب تحت حجة «المقاومة المشروعة»، وسرعان ما تتلاشى، وسط معطيات ضبابية.

 

والمتجاهل معذور، فالزيارة تتناقض مع ترويجه لكل نظريات تخوين الدور العربي في «حرب غزة»، وتضرب خطابه الشعبوي القائم على أنّ وهم استعادة فلسطين وإزالة العدو الإسرائيلي من الوجود هو عبر العمليات العسكرية التي تقوم بها ميلشيات المحور، مهما تطلب الأمر من أثمان دموية باهظة، يدفعها الشعب الفلسطيني، كما يدفعها مسؤولون في المحور، يستهدفهم هذا العدو بالاغتيالات والضربات المحددة والموجهة، ومن دون إحراز أي ضربات نوعية توازي هزائمه المتلاحقة.

 

كما تقوِّض أي سبيل آخر للتوافق عبر القنوات الديبلوماسية، كالذي تتولاه المملكة العربية السعودية مع عواصم القرار والضغط على الكيان الصهيوني بغية دفعه إلى حل الدولتين، هو تآمر وتعامل وخيانة موصوفة.

 

بهذا المعنى تأتي الزيارة الهادفة إلى التوافق والتعاون مع «من تجوز عليه اللعنة» لتفضح ارتهان هذه السردية الشعبوية والقائمة على التجييش والتحريض، وتضربها من بيت أبيها.

 

والدلالات التي تجاهلها الممانعون، تنعكس في الشكل، فالإيراني زار السعودي وافترش أرض خيمته، وشرب قهوته، بما يحمل هذا الفعل من تفسيرات على الصعيدين الدبلوماسي والسياسي في آن معاً.

 

كما تكمن في التوقيت، اذ أعقبت الضربات الإسرائيلية، التي تلقاها المحور في الفترة الأخيرة، وردود فعله، إن باتجاه العراق أو باكستان وما تسببت به من إحراج له، ما يوحي بحاجته إلى تخفيف الضغط عنه ومدّ جسور لهذه الغاية، وتحديداً مع تحرك سفراء دول الخماسية سعياً لإعادة فتح ملف الرئاسة في لبنان هذا من دون إغفال ربط هذا التحرك بمعطيات «الميدان»، فهو الذي يحدد أي تطور سياسي لبناني، وفق ما كرره الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصر الله منذ شنّت إسرائيل حرب إبادة على قطاع غزة بعد عملية «طوفان الأقصى» وعلى الرغم من تصريحاته، بأن كل شيء في لبنان مجمد بانتظار وقف إطلاق النار على غزة.

 

فهذا الميدان ليس بخير، وليس لصالح المحور الممانع، وإلا لما تدفقت رسائل «الحزب» ورأس محوره مباشرة أو عبر وسطاء إلى دول الخماسية، لتعيد إحياء اجتماعاتها ومشاوراتها بغية تحريك ملف شغور رئاسة الجمهورية، وكأن ما بعد ملء الشغور سيكون بحثاً جدياً لانطلاقة المفاوضات التي قد تثمر «الفرصة التاريخية»، التي لوّح بها نصر الله.

 

من هنا، تأتي الزيارة لتشير إلى أنّ إيران قامت بخطوة متقدمة من خلال إشهار اهتمامها بإعادة فتح ملف الرئاسة ورغبتها بالتنسيق مع السعودية لهذه الغاية، وهي التي لطالما أنكرت على لسان مسؤوليها تدخلها في الشؤون اللبنانية، فمصلحتها اليوم تقضي بتعزيز مثل هذا التنسيق، وربما بعث رسائل إيجابية إلى الولايات المتحدة بشأن تعاونها وتسهيلها لسبل حل أزمة الشغور الرئاسية في لبنان.

 

ولا يعني ذلك أنّ إيران تنازلت عن استراتيجيتها، لكنها ربما سارعت إلى تحسين صورتها بعد الاحراج الذي تعرضت له على أكثر من جبهة، وانكشاف سهولة اختراقها وتهديد هيبتها، فسارعت إلى انتهاج سلوك براغماتي، ربما يصعب التعويل عليه في اللحظة الراهنة، فهي بالتأكيد لن تسهِّل حل أزمة الرئاسة بافتراش أرض الخيمة بالتزامن مع تحرك الخماسية… اللهم إلا إذا كانت ستقبض ثمن تضحيتها بحركة «حماس» تسوية رئاسية لصالحها في لبنان.