تستمرّ النقاشات بين كافة الأفرقاء السياسيين اللبنانيين حول العديد من القضايا الوطنية والملفّات المعرقلة، وتتكشّف استحالة ايجاد الحلول لأيّ منها، قبل معالجة ملف الرئاسة، الذي تكثر المبادرات حوله، المُنطلقة من أطراف داخلية ومن مجموعات وموفدين خارجيين، وأبرزها مجموعة الدول الخمس المهتمة بتهدئة الأوضاع الداخلية في لبنان، كما أوضاع الحدود المشتعلة بين لبنان واسرائيل.
وتتنقّل اللجنة المُمثّلة للدول الخمس من مسؤولٍ رسمي الى آخر، ومن مركز قيادة حزبي الى آخر، وتُزخّم مبادراتها بأفكارٍ من عداد الواقعية السياسية القاضية بالتعاطي مع الملف اللبناني بذهنية «شيخ الصلح» الذي يسعى لصلحة «مسحا بذقني، ومشّيا»، تجنّباً منهم للدخول في الحلول الحاسمة، وتهرّباً من تسمية الامور بأسمائها، والاضطرار حينها لكشف الجهة المُعرقلة، لمسار انتظام المؤسسات، من دستورية وبرلمانية وديمقراطية وامنية وقضائية. وأكثر الدلالات على هذه المقاربات، والتي شهدناها في السنوات القليلة الماضية، كان عدم تعاون الدول المُمثّلة في المجموعة الخماسية، مع اثارة ملف تفجير مرفأ بيروت، في المحافل الدولية والاممية. وقد هال المجتمع الدولي فظاعة الفكر الاجرامي والتخاذلي والفسادي الذي كان السبب الأساسي لوقوعه، بحجة عدم استثارة الردود من محور الاجرام الايراني.
واذا كانت الرحمة تأتي من بعد احلال العدالة، فاللجنة الخماسية، وكل من يتطبّع بها من الأطراف الداخلية، يعمدون لاحلال الصلح بمطالبة أصحاب الحق والمؤمنين بالدستور والقوانين والديمقراطية، بالتنازل عن حقوقهم وعن الحقيقة، أمام تعنّت المُعرقلين، لاعتقادهم أنّ هكذا أنواع من الصلح تُبعد كأس الاضطرابات والمواجهات، وتُنجّح المهمّات التي أوكلتهم بها اداراتهم. لنتأكد يومياً وعند كل دورةٍ من دورات تلك المجموعات، بأنّ لبنان أضحى أمام خيارات مصيرية، فإمّا يرضخ لأنصاف الحلول، فيُصبح ورقة مقايضات تُناسب الكثير من القوى الاقليمية والدولية، وإمّا يعود للمسار الذي يفتح الآمال أمامه ليكون وطناً للاحرار، وما على كافة الأفرقاء السياسيين اللبنانيين الّا أخذ القرار للانتماء الى هذا المسار أو ذاك.
قد يعتبر بعض السياسيين والمراقبين المتبنّين مبدأ الواقعية السياسية، أنّه من الحكمة أن لا توضع البلاد أمام هذين الخيارين، وأنّ عدم اعتماد التسويات للخروج من الازمة، قد يكون انتحاراً للوطن بأكمله، أو على الأقل للفئة الاكثر تضرّراً من التركيبة المجتمعية، أي الفئة المسيحية. ولكنّهم بهذه المقاربة، يتجاهلون الخطر المُحدق بجميع الفئات اللبنانية، نتيجة بقاء الدولة رهينة التسويات بين أمراء الفساد والمصالح، الجاهزين دائماً للتضحية بالمصالح العليا للوطن وللشعب، وللأجيال القادمة، وبين طرف الدويلة، الهادف لالغاء، الوطن. وإن لم يكن هذا صحيحاً، فأين الحكمة إذاً في أن يدفع هذا الفريق بالأمور الى أن تكون الخيارات المطروحة امام الشعب اللبناني هي بين تثبيت واقع الساحة التي فرضها عليهم، أو استعادة صفة، الوطن، لبلدهم؟ وأين الحكمة أيضاً، في أن يسعى المحور ذاته الى تعريض بلاده وشعبه لمآسي ومخاطر التدمير التي قد تلحق بهذه الساحة؟ وما الحكمة في أن يتعاون أفرقاء آخرون مع هذا المحور؟
المسألة لا تحمل نقاشاً بعد الآن، ولا حوارات مضيعة الوقت، ولا تسويفاً في صوغ الوثائق والبيانات، بل تحتاج لحسم الخيارات، وكلّ من يعمل للتمييع والتلطيف، ويلجأ للكلام الشامل والمُبهم، شريكٌ في خيار الساحة، ورافض لخيار الوطن.
(*) نائب في كتلة «الجمهورية القوية»