خرج ملف رئاسة الجمهورية من دائرته اللبنانية الضيّقة، واتّسعت رقعة التدخّلات الخارجية بعد دعوة قوى 8 آذار الرئيس السوري بشّار الأسد للتدخّل في حل خلافاتهم الرئاسية.
في 26 نيسان من العام 2005 غادر جيش الإحتلال السوري لبنان وفقدَ النظام السوري نافذته ورئته اللبنانية، ولكن بقي لدمشق نفوذ كبير في السياسة اللبنانية وحافظت عليه عبر حلفائها، إلى أن اندلعت الحرب السورية في 15 آذار 2011 لتنقل إهتمامات النظام إلى داخل بلاده.
في هذه الأثناء كان «حزب الله» يعمل على تقوية نفوذه مدعوماً من طهران، وشكّل تكاتف «محور الممانعة» الممتدّ من طهران إلى دمشق دعماً أساسياً لقوّة «الحزب»، وانعكس هذا الأمر على السياسة اللبنانية حيث بات لـ»حزب الله» الكلمة الفصل في كل الإستحقاقات. وفي ظلّ تنامي الخلاف بين رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية حول الترشّح للإنتخابات الرئاسية وعدم قدرة «حزب الله» على التوفيق بينهما، تطلّع فريق 8 آذار إلى الجهة الأكبر الراعية له، فوقع الخيار على الرئيس الأسد لعلّه يقنع باسيل بدعم فرنجية.
وتؤكّد مصادر من 8 آذار أن الأسد وقف إلى جانب ترشيح العماد ميشال عون في الإنتخابات الأخيرة ولم ينحز إلى صديقه فرنجية على رغم أنّ الأخير، وبعد دعم كل من الرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط له، كانت حظوظه مرتفعة جداً، وبالتالي فإن الجميع ينتظر من باسيل موقفاً مقابلاً لكي لا يخسر فريق 8 آذار معركته الرئاسية. لكن باسيل لا يزال يعمل على شراء الوقت ويسعى لتبدّل في موقف «حزب الله» الرئاسي، لكنه أشار في إطلالته الأخيرة إلى أنه سيزور الرئيس الأسد وليس هناك من مانع لعقد مثل هكذا لقاء.
لا شكّ أن دمشق خسرت الجزء الأكبر من نفوذها الإقليمي بعد الحرب الدائرة على أراضيها وتمدّد «حزب الله» وطهران، لكنها جزء لا يتجزأ من «محور الممانعة»، لذلك فإن وساطة الرئيس الأسد بين باسيل وفرنجية قد تؤتي ثمارها. هذا بالنسبة إلى فريق 8 آذار و»التيار الوطني الحرّ»، أمّا على جبهة المعارضة فهناك ترقّب لما قد يحصل داخل الفريق الماروني الحليف لـ»حزب الله»، ففي السابق كان هناك رهان على ان باسيل لن يسير بفرنجية، لكن المعطيات قدّ تتدخّل بعد تدخّل الأسد وضغط «الحزب».
وتسعى «القوات اللبنانية» التي تتزعم «المعارضة السيادية» إلى تشكيل أكبر جبهة رفض لعودة نفوذ دمشق من البوابة الرئاسية، ومن أجل ذلك، إرتفع منسوب التنسيق مع الحلفاء وعلى رأسهم «التقدمي الإشتراكي» و»الكتائب اللبنانية» وحركة «الإستقلال» والنواب المستقلون، في محاولة لتصويب المعركة الرئاسية وعدم السماح للسوري بفرض رئيس مجدداً.
وتبدو كلّ الأسلحة الديموقراطية متاحة في مثل هكذا معركة، لذلك فإنّ «القوى السيادية» تُبدي أكثر من أي وقت تمسكها بترشيح رئيس حركة «الإستقلال» النائب ميشال معوّض في وجه مرشّح «حزب الله» والنظام السوري أياً كان اسمه. ومن جهة أخرى، فإن هناك إطمئناناً لموقف جنبلاط الرافض لعودة النفوذ السوري، فمسايرة «حزب الله» وعدم الصدام معه مغايران تماماً للقبول بسلوك النظام السوري، وبالتالي فإن نواة 14 آذار حاضرة لمواجهة التدخلات السورية.
ولا يوجد إنقسام بين القوى السيادية ازاء النظرة للتدخل السوري حينما يحدث، وتتمنى هذه القوى أن تكون في الخندق نفسه مع المستقلين والشريحة الأكبر من «التغييريين» وقدامى «المستقبل» لأن تسمية دمشق لمرشح فريق لبناني هي الوقاحة بعينها، فلو كان الأمر معاكساً لكانت إنهالت اتهامات التخوين، لكن من يرسّم الحدود مع كيان يعتبره «غاصباً» من دون العودة إلى مجلس النواب، يعتبر ان تدخّل الأسد هو عين الصواب!