مهما حاول البعض التأكيد على لبنانية الإستحقاق الرئاسي فإنّ فشل الداخل في انتخاب رئيس فتح الباب أمام تدويله بحيث لم يعد منفصلاً عن مستجدات الوضع في اليمن والعلاقة السعودية – الإيرانية. وتؤكد أوساط سياسية واسعة الإطلاع أنّ السعودية تستمر في حيادها حيال الملف اللبناني وتركز كلّ اهتمامها على الوضع في العاصمة اليمنية صنعاء لتحقيق إنكفاء الحوثيين عسكرياً.
لا تتوقف الأزمة الحالية في لبنان على خلفية انعقاد جلسة حكومية. في أسوأ الأحوال أو أحسنها لا فرق، ستعقد الجلسة على خلفية نقاش ملف الكهرباء. سيستمر الخلاف بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» لاتهام «التيار» حليفه الشيعي بتغطية رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ومجاراته في عقد جلسة تفتقد إلى «الميثاقية المسيحية». ستتحول البرودة في العلاقة بين «التيار» و»حزب الله» إلى جليد، وستتعطّل مساعي أي لقاء محتمل بينهما.
على الضفة الموازية سيشارك النواب يوم غد الخميس في جلسة جديدة على نية انتخاب رئيس للجمهورية. لن تختلف عن سابقاتها. الفريقان الأساسيان لن يخرجا عن سياق الورقة البيضاء لقوى الثامن من آذار وميشال معوض «للقوات» وبعض «التغييريين».
وسواء عُقدت الجلسة الحكومية أو جلسة إنتخاب الرئيس، فالجلستان مجرد تقطيع وقت بلا جدوى. الخلاف حول دستورية الجلسة الحكومية يكشف مقدار العقم السياسي، وكذلك انتخاب الرئيس. عشر جلسات بلا فائدة. الواحدة تلو الأخرى تؤكد أنّ المجلس النيابي حالياً غير قادرعلى انجاز الاستحقاق وأن كثراً من نوابه لا سيما الجدد من بينهم غدوا أصحاب عراضات اعلامية.
لا يلغي نفي البعض أو حرصهم على التأكيد على لبنانية الملف الرئاسي، دخوله حيز التدويل بعد فشل التوافق الداخلي بين كلا الطرفين للإتفاق على رئيس صنع في لبنان. تؤكد مصادر سياسية واسعة الإطلاع أنّ استحقاق الإنتخابات الرئاسية خرج عن سياقه الداخلي ودخل في سياق التدويل. وتأسف المصادر كيف أنّ المسار السياسي الداخلي بلغ مرحلة مأسوية في ظل انسداد الأفق على أي حل ممكن، وتجزم بأنّ ملف انتخابات الرئاسة في لبنان دخل مساراً بالغ الحساسية.
خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان حاول وزير الخارجية الإيرانية حسين أميرعبد اللهيان إستطلاع الأجواء المتصلة بالملف الرئاسي واجتماع باريس والتنبيه الى دور إيران في لبنان من خلال إعلانه عن حرصها على مساعدته. تريد إيران أن تكون شريكاً في أي إجتماع يتعلق بلبنان وانتخابات رئاسة الجمهورية. وبناء لما تكشفه المصادر السياسية عينها، فإن إيران تعتقد أن الممكلة العربية السعودية تربط ملف لبنان بالوضع في اليمن.
ويعني هذا الكلام، إذا صح، أنّ لبنان دخل في آتون ربط ملفات المنطقة مجدداً وأنّ البت بالموضوع الرئاسي صار مستبعداً في الوقت الحاضر اللهم إلا بناءً على تسوية كبرى لن تتوضح معالمها قبيل الربيع المقبل. لبنان وملفاته أو أزمته لم يعد أولوية عربية ولا حتى دولية. حتى اجتماع باريس إن عقد فلن يخرج بقرارات مهمة. وتقول المعلومات الموثوقة إنّ الدور الفرنسي في الإجتماع محدود جداً في ظل جمود في الموقف الأميركي وعدم تأكيد مشاركة الرياض في الإجتماع من أساسه مما قد يدفع فرنسا لإعادة النظر بالإجتماع. ناهيك عن غياب إيران كلاعب أساسي في الملف اللبناني.
بفشل التوافق الداخلي فتح لبنان أبوابه على الخارج وبات مصيره معلقاً في وقت تشهد المنطقة حراكاً ديبلوماسياً متصلاً بمعالجة العلاقة السورية – التركية التي تدخل فيها إيران طرفاً مباشراً حيث المطلوب إحراز تقدم يفضي إلى توافق بين البلدين على وضع الحدود بينهما في وقت يحتاج فيه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى أوراق رابحة عشية الإنتخابات المقررة في حزيران المقبل.
ولن يكون ترحيل ملف لبنان إلى الخارج مفاجئاً للمعنيين بأزمته بعدما استعصى عليهم الإتفاق على رؤية موحدة للمعالجة. فكما حال المعارضة كذلك هي حال «حزب الله» وحلفائه. الطرفان فقدا إمكانية الحل والتوافق للخروج من المراوحة رئاسياً لرهانهما على الخارج. حتى «حزب الله» وإن كان لا يتوقف عن التأكيد على أنّ مفتاح الرئاسة في لبنان بيد اللبنانيين فهو نصح مرشحه الرئاسي غير المعلن سليمان فرنجية بإجراء جولة أفق لجس النبض الخارجي حيال ترشيحه لكنه عاد خالي الوفاض. ما يعني أنّ الخارج له كلمة الفصل في انتخابه كما في انتخاب غيره من الأسماء. «حزب الله» ذاته يسلم بواقع أنّ أي رئيس ينتخب بلا موافقة الخارج سيلقى مصير الرئيس السابق ميشال عون ذاته من حيث غياب الدعم السياسي والمالي على وجه الخصوص وهو ما يحتاجه لبنان ليخرج من أزمته.