IMLebanon

خلوّ السدة لا يُملأ بتعطيل المجلس

تمسكت بعض الكتل النيابية بقناعتها بأن مجلس النواب لا يمكن أن يشرِّع عندما تكون سدة رئاسة الجمهورية خالية، ما أدى إلى انسحاب بعضها من الجلسة لاعتبارها غير دستورية، بينما شارك البعض الآخر من دون التخلي عن قناعته لوجود «مشاريع ضرورة» على جدول الأعمال.

وبصرف النظر عن مقولة تقسيم المشاريع بين ضرورية وغير ضرورية، يمكن القول إن مجرد انعقاد الجلسة بنصاب دستوري وأكثرية ساحقة يجعلها سابقة تضاف إلى سوابق مماثلة عديدة واعتراف بعدم دقة اعتقادهم، ويؤكد ان المجلس يستطيع ممارسة صلاحياته التشريعية في أي وقت، بصرف النظر عن واقع المؤسسات الأخرى، إذا لم يكن من نص صريح يحول دون ذلك. فالمجلس المنوط به تفسير الدستور عندما تجمع أكثريته حول أمر ما، يكون قد اتخذ رأياً يرتقي إلى مصاف التفسير، وهذا ما تكرر في حالات عديدة وردت في المحاضر الرسمية. ومن السوابق على ذلك جلسة الخامس من تشرين الثاني 1989 التي صدّق فيها المجلس وثيقة الوفاق الوطني، وذلك قبل ملء خلو سدة الرئاسة، وذلك بحضور أكثرية نيابية منهم رئيس حزب «الكتائب» يومها الدكتور جورج سعادة وبطرس حرب ونصري المعلوف.

وفي الدستور اللبناني، والدساتير عموماً، لا وجود لسلطة في نظام برلماني ديموقراطي يوليها المشترع صلاحية مصادرة سلطة أخرى ومنعها من ممارسة الصلاحيات كلياً إذا لم يكن من نص صريح ومحدد وواضح، خصوصاً لجهة زمنية مفاعيله. وقد تنبَّه المشترع إلى ذلك عندما لم يستبعد وجود ضرورة ما تفرض وقف الصلاحيات، كما في المادة 59 ـ دستور التي أولت لرئيس الجمهورية حق منع مجلس النواب من الانعقاد لمدة شهر على الأكثر على أن لا يقدم على ذلك مرتين في العقد نفسه. والمادة 31 ـ دستور بنصها على اعتبار اجتماع المجلس في غير مواعيده القانونية (العقود) باطلاً حكماً ومخالفاً للقانون. والمادة 77 ـ دستور التي منعت المجلس من التقدم بمبادرة لتعديل الدستور إلا في عقد عادي لا استثنائي، بينما السلطة الإجرائية لها حق المبادرة إلى ذلك في العقدين.

ومن هنا يتبين أن المشترع أشار بدقة الى الحالات التي يمكن فيها أو لا تتيح للمجلس ممارسة صلاحياته، وجميع تلك الحالات لا تشمل خلو سدة الرئاسة، فكيف يمكن ان تكون المواد 73 ـ 74ـ 75 صالحة للاستناد إليها في تعطيل صلاحيات مجلس النواب واعتبار الجلسة غير دستورية إذا ما شرع المجلس في الحالة السائدة اليوم؟

ان المادة 75 لا تظهر مفاعيلها عملياً إلا عند نفاذ أي من المادتين 73 و74، فهي مادة إجرائية تحكم الشروط المتعلقة بمسار جلسة انتخاب الرئيس بعد انعقادها ونصها التالي: «ان المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة تشريعية، ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب الرئيس من دون مناقشة أو أي عمل آخر». فهل يمكن ان يكون «الشروع بالانتخاب» والإقدام على أي «عمل آخر» إذا لم يكن المجلس منعقداً بنصاب قانوني؟ فكيف يمكن للمشترع أن يضع نصاً صريحاً أوضح من مفاعيل المادة 75؟ وكيف يمكن الاستعانة بهذه المادة في مثل الحالة الراهنة؟ وكيف يمكن الخلط بين «يلتئم» و «التأم» واستطراداً بين فعلي المضارع والماضي؟

أما المادة 74 فهي تحكم حالة استثنائية يمكن ان تحصل ويمكن ان لا تحصل كونها متعلقة بخلو السدة اثناء استمرار ولايته، وبالتالي فلا ارتباط بين المادتين 74 و75 إلا عندما تخلو السدة وينعقد المجلس فوراً لانتخاب البديل، ويتبين ذلك بوضوح في عطف في نص المادة على «السبب الآخر المعطوف على الوفاة والاستقالة» كما جاء في المادة، ولاعتبار ان انتهاء ولاية الرئيس يُخضع إجراء انتخاب البديل للمادة 73 التي لا يزال العمل بموجبها قائماً لتوافر الأسباب التي تفرض استمراريتها، بعد ان التزمت رئاسة المجلس بدعوة المجلس لجلسة الانتخاب ضمن مدة الشهرين اللذين يسبقان انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ولا تزال تتكرر الدعوات حتى اليوم. والسؤال هنا: كيف يمكن لأحد ان يستند إلى المواد الثلاث السابقة ليقول إن ممارسة المجلس لصلاحياته التشريعية في حال وجود سدة الرئاسة خالية، خرق للدستور وباطل حكماً؟!