أثار اجتماع باريس بين رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري والوزير السابق سليمان فرنجية، حركة سياسية صاخبة في بيروت تتطلب البحث في الفراغ الرئاسي المستمر منذ 25 أيار 2014، خاصة أن حصيلة الاجتماع أوقعت الخلاف في كل من فريقي السياسة اللبنانية، 8 و 14 آذار.
في الشكل، لم يستشر الطرفان حلفاءهما، وبالأخص الحلفاء من الأحزاب المسيحية، قبل الإعلان عن اتفاقهما «الجدّي» بترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية. وبينما حصلت لاحقاً اتصالات منفردة، مباشرة وغير مباشرة، بين المعنييَن وحلفائهما، لم يحصل اجتماع لأركان الطرفين لبحث الترشيح وفوائده او أضراره على كل فريق، خاصة أن الهوّة السياسية تتسع وتتعمق بينهما في ما يتعلق بالمشاكل الإقليمية. ربما كان من المستحسن ان يعود فرنجية والحريري معاً الى بيروت ويجتمع كل منهما مع حلفائه ليتخذ كل فريق قراره المناسب.
في الشكل أيضاً، هل يعقل لزعيم سياسي أو حتى لزعيمين، أن يقررا للبنانيين من سيكون رئيس الجمهورية العتيد، والذي بدا أنه بمثابة تعيين؟ هل يعقل للزعيمين اللذين اجتمعا في باريس أن يقررا للبنانيين، كما تردد في الاعلام، من يكون رئيس الوزراء في السنوات الست المقبلة وماهية قانون الانتخاب؟ هل يعقل في زمن ترجح التطورات الإقليمية كفة الحلفاء الإقليميين لتحالف 8 آذار ان يسمي الرئيس سعد الحريري مدعوماً من المملكة العربية السعودية، كما تردد أيضا في الاعلام، رئيساً للجمهورية؟
كذلك يتساءل كثير من اللبنانيين: الى متى نبقى رهينة التدخل الخارجي في انتخاب الرئيس وغير ذلك من الامور الداخلية البحتة، خاصة أن الاعلام بكل أنواعه كان يتكهن يومياً حول الموقف السعودي من ترشيح النائب فرنجية، الى ان عاد سفير المملكة وأوضح موقف بلده المؤيد. وكانت المملكة قد سبق لها وأعلنت، قبل شهور، بلسان وزيرها الراحل الامير سعود الفيصل قد عارضت، لا بل وضعت الفيتو على انتخاب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية. هذا من دُون التذكير بما قيل في الاعلام، والذي لم يقله أصحاب الشأن، من تدخل سفراء واستصراح رؤساء لمصلحة هذا او ذاك من المرشحين.
أخيراً، فإن ازمة الحكم المستعصية منذ 2005 لم يسببها الشغور الرئاسي، لا بل إن ازمة الحكم هي سبب عدم تمكن مجلس النواب من انتخاب الرئيس. وإن لم تحلّ أزمة الحكم، سيبقى لبنان بسبب الأزمة المستعرة في حالة عدم استقرار، حتى لو انتُخب رئيس للجمهورية، وأن نجاح رئيس كهذا في حل القضايا العالقة والمعطلة سيكون مستحيلاً.
لذلك يجب ان يتم الاتفاق في المضمون، كما حصل في الطائف، على حل المسائل العالقة التي تعطل الدولة قبل بت من يكون رئيساً للجمهورية وللحكومة. أزمة تكوين السلطة ما زالت تفرّق بين اللبنانيين منذ البدء في تنفيذ اتفاق الطائف في العام 1991. ما زال المسيحيون يشعرون بغياب الشراكة الحقيقية في الحكم التي شدد عليها الطائف ولم تطبق منذ فترة الوصاية السورية. ان تطبيق اتفاق الطائف، وليس بالضرورة الاتفاق في ذاته، جاء مجحفاً بحق المسيحيين منذ عقد التسعينيات من ناحية تمثيلهم في مجلس النواب وفي التعيينات الإدارية الرئيسية.
ان قوانين الانتخاب التي اجريت الانتخابات النيابية بموجبها منذ 1992 الى 2009 كانت، بحسب اعتقاد معظم المسيحيين، تقصد إضعافهم وربما تحجيم دورهم، خاصة أن مجلس النواب اصبح بعد اتفاق الطائف مصدراً للسلطة وأن مجلس الوزراء الذي اصبح ـ مجتمعاً ـ السلطة الاجرائية للدولة يعكس موازين القوى في مجلس النواب. هذه القوانين لم تسمح للمكون المسيحي في كل الدورات الانتخابية منذ 1992 باختيار ممثليهم، إذ ان اكثر من نصف النواب المسيحيين ينتمون في المجلس الحالي الى كتل الاحزاب الاسلامية. لذلك تطالب الأحزاب المسيحية باقرار قانون انتخاب جديد وحديث يأخذ في الاعتبار بأن لبنان وطن تعددي وان كل المكونات اللبنانية، حسب اتفاق الطائف، يجب ان يكون لها تمثيل عادل ومنصف.
وأيضاً في المضمون، وفي ما يتعلق بالتعيينات الإدارية: لقد درجت العادة منذ التسعينيات ان يختار كل من الطوائف الاسلامية ممثليها في الادارة من دون معارضة الآخرين، لكن تعيين المسؤولين الإداريين المسيحيين يخضع دائماً لقاعدة: ما لي هو لي، وما لكم هو لنا ولكم! ممارسة كهذه ليست مشاركة انما هيمنة بامتياز.
ناهيك عن الحديث عن الفساد الفادح والمحاسبة والموازنة وتوزيعها وعن الخلاف حول سلاح «حزب الله» الذي نتفق على دوره في البيانات الوزارية لنعود ونختلف في المواقف والتصريحات والشكاوى.
الاتفاق على قانون انتخاب ميثاقي قد يحل معظم الامور العالقة، ومنها انتخاب رئيس للجمهورية في موعده، وتسيير امور الدولة من دون تعطيل او شلل، وربما الاتفاق نهائياً على وجود ودور سلاح «حزب الله».