ليس أهم من عودة الحياة الى الرئاسة سوى عودة الحياة الى الجمهورية. وفي الحالين رهان على حيوية الأشخاص والأفكار والمؤسسات. الأولى تحققت، لا فقط بملء الشغور الرئاسي الذي دام ٢٩ شهرا بل أيضا بما يتجاوز الشكل الدستوري الى الجوهر الوطني. ففي القصر، للمرة الأولى، رئيس وراءه قوة شعبية كبيرة في الشارع. والتسوية التي فتحت أمام العماد ميشال عون طريق الرئاسة فرضتها ظروف وحسابات استثنائية، بحيث التقى المختلفون على أشياء كثيرة حول رئيس استثنائي مرّ بمعمودية النار الوطنية والسياسية. والثانية لا تزال حلما تطارده الكوابيس ويصطدم بوقائع قاسية في واقع لبناني صعب وسط خارطة اقليمية مملوءة بالتضاريس الاجتماعية المتخلفة، والطائفية والمذهبية الخطيرة، والسياسية الجاهلية، والأفكار التكفيرية الارهابية.
ذلك ان عودة الحياة الى الجمهورية تتطلب أولا أن يكون للجمهورية جمهور مؤلف من مواطنين عاقلين أحرار، لا من جماعة مؤمنين على حد تعبير أرسطو قبل آلاف السنين. وتتطلب ثانيا التمثيل السليم والصحيح للجمهور في انتخابات على أساس قانون عادل بما يقود الى اعادة تكوين السلطة واحياء المؤسسات، لا كهياكل بل كخلايا تعمل لادارة شؤون الناس. لكن الخطوة الأولى لا تزال متعثرة، وهي تأليف حكومة مهمتها الأساسية اجراء انتخابات نيابية على أساس قانون ليس مفصلا على قياس أي طرف.
ومن الصعب أن نصدق ان العهد الاستثنائي لا يزال بلا حكومة بسبب الخلاف على حقيبة. واذا كان ذلك صحيحا، فانه دليل على منتهى الازدراء باللبنانيين والسخرية منهم. واذا كانت العراقيل التي تؤخر التأليف أعمق من ذلك على صعيد اللعبة المحلية أو على مستوى اللعبة الاقليمية، فنحن نواجه مقدمات أعلى المراحل في الإمساك بلبنان. ولا مبرر بعد الطائف لتخصيص أربع طوائف بأربع وزارات تسمّى سيادية، بعدما رأينا في أيام العز المير مجيد ارسلان وزيرا للدفاع وكلا من كمال جنبلاط وبهيج تقي الدين وزيرا للداخلية وفيليب تقلا وزيرا للخارجية.
مفهوم ان الشراكة الوطنية تتجسد عمليا في حصص للشركاء. لكن الفارق كبير بين أن تكون المحاصصة بما فيها التركيز على حقائب ذهبية هي الهدف لجمع المال والسلطة وبين أن تكون الحصص وسيلة للخدمة العامة، بحيث يتولى كل حقيبة الأكفأ والأنقى. والأهم من المشاركة هي ادارة المشاركة. فالمشاركة قدر وطني وسياسي. وادارة المشاركة خيار. ولا أقل من أن يكون خيارنا هو أفضل ادارة للمشاركة. لكن ما رأيناه في عملية تأليف الحكومة هو أسوأ خيار في ادارة المشاركة، حيث لا توافق على مشاريع وبرامج بل سباق ل تملك الوزارات.
والتحدّي كبير أمام الرئاسة والمجتمع في بناء الجمهورية.