مع تطور الاوضاع وانكشاف المواقف بشكل واضح حيال الاستحقاق الرئاسي من كافة الافرقاء في قوى الثامن والرابع عشر من آذار، مع هذا المشهد برز الى العلن وبشكل نافر واقع المسيحيين المتردي حيال مقياس مدى قدرتهم في ولادة القرارات داخل الدولة حتى على مستوى الموظفين من الفئة الثالثة لترسو عليهم مقولة يتداولها اهل السياسة في مجالسهم من ان رئاسة الجمهورية ما بعد الطائف ليست من مقتنياتهم على الاطلاق مع بروز القوة الاسلامية في البلاد والتي اصبح القرار بين أيديها، وفي المشهد اكثر من ذلك وزيادة حسب اسقف ماروني الذي جاهر بأن مجيء رئيس للجمهورية اللبنانية من الطائفة المارونية بات في ايدي المستقبل وحزب الله على حد سواء، وبهذا يكون الوضع المسيحي مرتهن الى حد بعيد لصالح قوى شريكة في الوطن باتت تملك مفتاح الحل والربط وصولاً الى الدلالة بالاسم، والدلائل على هذا الواقع كثيرة ومتعددة وظاهرة الى العلن بشكل واضح للمرة الاولى منذ الطائف تعوم في مختلف التصاريح وصولاً الى اعتراف القادة المسيحيين السياسيين والدينين بأن مفتاح الحل والربط للرئاسة متواجد لدى الطوائف الاسلامية وفق الاسقف الذي سرد الوقائع الآتية:
اولاً: لا شك ان الحوار القائم بين حزب الله وتيار المستقبل يرتكز في نواح اساسية منه على بحث الموضوع الرئاسي بديلاً عن جهود ابعاد الفتنة فيما بينهم، وهذا ما يطرح اسئلة عدة حول تقاسم النفوذ في كافة مفاصل الدولة.
ثانياً: وعلى سبيل الشرح يقول هذا الاسقف ان تيار المستقبل باختياره مرشحاً رئاسياً من قوى الثامن من آذار ومقرب من خط المقاومة، ان يقول لحزب الله: اقترب لنجلس معاً ونختار رئىس الجمهورية وبالتالي نطلب القرابة فيما بيننا، وليس الاختيار للشخصية هو السبب الرئيسي لتقارب الحزب والمستقبل بل ثمة تداعيات اكبر من البلد وحجمه فرضت اجندة معينة مغايرة للواقع الذي كان قائماً منذ خمس سنوات.
ثالثاً: الواقع المسيحي يبدو اليوم اكثر تأزماً وانقساماً مع الترتيبات التي رافقت ترشيح النائب سليمان فرنجية بالرغم من التفاهم القائم بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، والذي ادخل السعادة الى قسم كبير من المسيحيين وفرض شرخاً بين التيار الوطني وتيار المردة لم تستطع حتى الساعة مختلف الاطراف تجنب مسألة تفاقمه وارتداداته على الارض بعد سلسلة من المواقف التي حملت ترويسة مؤذية في كلا الطرفين، ويقول الاسقف ان همنا الوحيد ان نزيل الشغور عن القصر الجمهوري ولكن ليس كيفما كان او بطريقة الاستدانة في غياب موقف مسيحي موحد.
رابعاً: وحتى ان مسألة التقارب المرجوة بين القوات والتيار الوطني وتيار المردة تتم معالجتها من قبل اطراف مسلمين والمسيحيون عاجزون عن القيام بهذه المهام والدلائل متعددة في هذا الاطار خصوصاً جهود بطريرك الموارنة مار بشارة بطرس الراعي التي ما غابت لحظة عن عظاته ومواقفه والموفدين من قبله، وبهذا يكون المسيحيون متحدين اذا ما بذلت التيارات والاحزاب الاسلامية جهوداً جبارة ولهذا جاء التعويل كبيراً على امرين:
أـ استعدادات حزب الله للتقريب بين العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية ويبدو ان الحزب هو المؤهل الوحيد للقيام بهذه المهمة الصعبة، وواقعياً يتابع الاسقف كلامه ان ما يجري صحيح من ان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يملك مفاتيح هذا التقارب باعتراف مرجعيات مارونية دينية فيما التفتيش عن دور مسيحي معدوم للغاية وغير متوافر حتى في الافق المنظور.
ب ـ في غياب موقف من الرئىس سعد الحريري حول ترشيح النائب فرنجية رسمياً يبدو مصير وصول رئيس تيار المردة الى سدة الرئاسة منوطاً بالحريري نفسه، وبمعنى آخر فان الصراع القائم في المنطقة بشكل مذهبي فرض نفسه بشكل متنوع على الساحة اللبنانية وهذا يعني حسب هذا الاسقف ان ايران باستطاعتها رفض اي مرشح والسعودية لم تستطع تمرير مرشحها وهذا يناقض مقولة انتاج رئيس من صنع لبناني كما هو معروف وسائد منذ عشرات السنين وبالتالي فان المعطيات الاقليمية تغالب اية امكانية لتغيير هذه الاوضاع.
خامساً: يشير هذا الاسقف الى ان الاحتجاج على توزيع الوظائف مناصفة في الدولة بين المسيحيين والمسلمين على اهميته القصوى لا يحجب حقيقة ارتفاع الامنيات اكثر من الاجماع الحزبي والديني على هذه المسألة بالذات فيما الواقع المفجع عدم القدرة على الارتفاع بالتوافق المسيحي الى الحقوق العليا كاختيار رئىس للجمهورية وفق قرار موحد بين الطوائف المسيحية وحصرياً بالموارنة.
سادساً : لا شك لدى الاسقف ان الارادة المسيحية في لبنان والمنطقة تم اضعافها ان من خلال الموجات الاصولية او التراخي والتباعد بين المسيحيين مما سهل امر التصويب عليهم وصولاً الى الارتهان لمشيئة الاخوة والشركاء في الوطن. ويلفت الاسقف الى شبه استسلام لدى القادة المسيحيين حيال مأزق الرئاسة كل لحساب حليفه المسلم وبصراحة تامة: «ان المستقبل وحزب الله هما من يعملان الى تزكية هذه الشخصية او تلك وباتت هذه المقولة شبه قاعدة عمل علنية لا يخجل منها اي طرف سوى ما يحز في نفوس المسيحيين على مصادرة قرارهم».
ما الذي سيحدث خلال الفترة المقبلة في الترشيحات الرئاسية؟ يجيب الاسقف ان العين بصيرة واليد قصيرة والمحزن في الامر انه بالرغم من رؤية ملايين المسيحيين يرحلون عن اراضيهم في سوريا والعراق ومصر وفلسطين فان القادة المسيحيين لم يعلموا حتى الساعة ان الاولوية المطلقة يجب ان تتمثل بمسألة البقاء في الشرق بالرغم من تضاول القوة داخل المؤسسات الدستورية، فهذا امر يمكن بلعه انما الاخطر ان يتعامل المسيحيون فيما بينهم وكأن شيئاً لم يحصل في الشرق لاخوانهم دون ان ترف اعين الغرب الذي يبدو بدوره شبه متآمر على الوجود المسيحي وبذلك تبقى الامنية الوحيدة لدى الطوائف المسيحية جميعاً التركيز على خلق ارادة ذاتية واتحاد كامل بين كافة الاحزاب السياسية حول مسألة الوجود في الدرجة الاولى ذلك ان استهداف المسيحية في المنطقة لن يوفر لا كتائب ولا احرار ولا عونيين او مردة او قوات.. ومشاهد القسطنطينية ليست بعيدة عن الاذهان؟!!