يقترب النائب سامي الجميل من ترؤس حزب الكتائب في حزيران المقبل، اذا سارت رياح والده كما يشتهيها. من السهل على ابن الرئيس أن يصبح رئيساً، ولكن الأصعب هو النجاح في القيادة وتخطي كل العقبات التي حالت حتى اليوم، دون بناء سامي زعامة حقيقية لا تحتاج الى ألقاب ومناصب
منذ عودته الى حزب الكتائب في نهاية عام 2007، كانت عين النائب سامي الجميل، كما كل حزبي بطبيعة الحال، على منصب الرئيس. فرصة النائب الشاب في تحقيق طموحاته تفوق، بطبيعة الحال أيضاً، فرص رفاقه بأضعاف لقدرته على القفز فوق التراتبية الحزبية. ففي المبدأ، من المفترض، بحسب النظام الحزبي، ألا يحظى سامي بهذه الرفاهية قبل سنة 2022، أي بعد مضي 15 عاماً على انتسابه الى الكتائب.
إذ أنه تقدّم بطلب انتساب عام 2000، وكان يفترض أن يتمّم قرار قبول انتسابه بحلف اليمين، وهو ما لم يحصل، ما يعني إلغاء الطلب، بموجب نظام الحزب الذي يعتبر طلب الانتساب باطلاً في حال تخلف صاحبه عن حلف اليمين خلال عامين. ولكن، حين قرر فتى «لبناننا» العودة الى الحزب، أصدر المكتب السياسي قراراً استثناه من إبطال الانتساب واعتبره حزبياً ملتزماً منذ العام 2000، رغم أنه حلف اليمين نهاية 2007، ضارباً بعرض الحائط التراتبية الحزبية والنظام الديمقراطي، ومعبّداً الطريق أمام التوريث.
حتى الساعة، يقول أحد الكتائبيين العتيقين، «لا مشكلة حزبية جدّية في تسلّم سامي منصب الرئيس. بل في ظل انعدام أي معارضة، يبدو أن التسلّم والتسليم سيجري بسلاسة تامة». والدليل أن أحداً «لم يتحرك جدّياً حين استبدلت أسماء الكتائبيين الرنانة بأخرى مبتدئة، ولم يعترض أحد على تعيين ميشال خوري أميناً عاماً أو على تسليم الادارة الى هذا والمالية الى ذاك». ينسحب الأمر نفسه على مخضرمي الحزب أمثال وزير العمل سجعان قزي والوزير السابق سليم الصايغ وعضو المكتب السياسي جوزيف أبي خليل وغيرهم. يؤكّد المصدر أن هؤلاء أيضاً «لن يعلقوا عضويتهم الحزبية أو يقفوا عائقاً أمام وصول سامي طالما أن أمين الجميل يدعم هذا الخيار». وفعلياً لا قدرة للنائب نديم الجميل، رغم حرصه على الاستعراض، على تغيير قشة في المؤتمر الحزبي العام الذي سيفرز غالبية الـ 350 مندوباً لصالح سامي، فيما يمكن لنديم في الحدّ الأقصى استمالة 9 منهم لصالحه. وتختلف أعداد المندوبين بين دائرة وأخرى طبقا لنسبة المنتسبين، فبعدما كانت هذه النسب متقاربة في السابق بين كل المناطق (10 أشرفية، 12 المتن الشمالي، 9 كسروان…) بات الفارق اليوم كبيراً جداً، حيث تجمّع كل الثقل الكتائبي في المتن الشمالي ليرتفع عدد المندوبين الى 74 بينما لا يتعدون الـ 9 في الأشرفية. رغم ذلك، فإن تصويت غالبية المندوبين لسامي لا يعني موالاتهم له أو تشكيلهم جيش دعم له عند اللزوم. هؤلاء، بحسب أحد المسؤولين الكتائبيين، «يوالون الرئيس أمين الجميل فقط وان طلب منهم التصويت لسامي سيصوتون ولو مكرهين».
من السهل على كل أولاد رؤساء الأحزاب أن يرثوا هذه المناصب بأقل مجهود ممكن. غير أن اثبات الكفاءة والنجاح في قيادة الحزب أمر مختلف. وتجربة الوزير الراحل بيار الجميل تثبت أن من الممكن النجاح حزبياً من دون ألقاب، ومن الممكن الدخول الى قلوب المؤيدين والخصوم بعلاقات شخصية ندية ووجود دائم على الأرض بين المحازبين. لذلك، أمام سامي الجميل سلسلة تحديات رئيسية لتثبيت أقدامه في قيادة الحزب عموما وقلوب المسؤولين الحزبيين خصوصا، ولكن حتى الساعة، تقف عدة عقبات في وجه هذا النجاح:
أولاً، لم يستطع سامي خلال قيادته مجلس الشباب والطلاب في حزب الكتائب تحقيق خرق جدّي في الجامعات. ويقول أحد الشباب الكتائبيين إنه آثر اقصاء بعض المسؤولين وفرض آخرين غير معروفين لدى الطلاب من دون احترام التراتبية وتاريخ النضال، الأمر الذي أثار غضبهم واحجامهم عن العمل الحزبي.
ثانياً، تسلق بيار الجميل السلم من الأسفل الى أعلى، فانطلق من القواعد الشعبية والحزبية لبناء زعامة حقيقية. وبدأ جولات على منازل الناخبين من مختلف الانتماءات للتعرف عليهم عن كثب وتأسيس علاقات ثقة معهم.
لا قدرة لنديم الجميل على تغيير قشة في المؤتمر الحزبي العام
كذلك أعاد فتح كل بيوتات الكتائب المغلقة والعاطلة عن العمل، فاستعاد الحزبيون حماستهم وعمدوا الى جمع التبرعات من بعضهم بعضاً لاعادة تأهيل البيوت وتجهيزها، خصوصاً أن الوزير الراحل استحدث نحو 300 مصلحة جديدة ووزع المناصب على كل الملتزمين حتى لا يحرد أحد، اضافة الى حرصه على حضور كل اجتماعاتهم ومناسباتهم. فيما أدى غياب سامي عن رؤساء الأقسام وعدم ايلائه أهمية لمطالبهم وابتعاده عن القاعدة الشعبية والاحتكاك اليومي بها الى إعادة اغلاق كل البيوتات ودفع الحزببين الى الاعتكاف. وتضاعفت أعداد المعتكفين عند اجراء المشورة لانتخاب رؤساء أقسام جدد، الأمر الذي أدى فعليا اليوم الى توقف غالبية بيوت المتن الكتائبية عن العمل. وقد ظهر ذلك بوضوح خلال جولته الأخيرة في مناطق قضاء المتن حيث حضرت كل فعاليات البلدات لاستقباله، فيما تغسي عدد كبير من الكتائبيين عن الحضور، ما دفعه الى عدم اكمال الجولة.
ثالثا، جهد الرئيس الراحل بشير الجميل لاقامة موطىء قدم دائم له في بيروت، لما تعنيه العاصمة من مركز ثقل رئيسي لمن يريد تأسيس زعامة على مستوى وطني ودولي. وآثر رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري بيروت تاركا على صيدا للسبب نفسه. وبيار الجميل الابن لم يتخذ قرار خوض المعركة في العام 2000، الا بعد قضائه 7 سنوات في بيروت وتوسيعه لقاعدة الكتائب الشعبية عبر سعيه الى استمالة الناخبين المسيحيين من الأحزاب الأخرى؛ فضلا عن توسيعه بيكار علاقاته السياسية التي فتحت له أبواب المسيحيين والمسلمين على السواء. فيما كان أول انجاز حقيقي لسامي عند عودته الى حزب الكتائب، الانسحاب من بيروت وتحويل بيت الكتائب المركزي الى ما يشبه نادياً للعاطلين عن العمل مقابل المكوث في بكفيا وعقد الاجتماعات هناك.
رابعا، أدرك بيار الجميل أن الحزب بحاجة للناس كي ينطلق ويكبر وينجح، وتمكن عبر علاقته معهم من اعادة احياء الحزب وتأسيسه من جديد حتى من دون قدرات مالية تذكر. كما استطاع التمايز عن غيره عبر طرحه لمشاريع وطنية كبيرة، تم تبني اثنين منها من أصل ثلاثة: الغاء الخدمة العسكرية وجهاز ترقب الكوارث. وكان لا بدّ اثر هذا النجاح أن يتم تأمين التمويل للحزب من جهات عدة، حتى لو وصل هذا التمويل متأخرا أي بعد استشهاده. وهو ما لم يدركه النائب سامي الجميل لغاية اليوم ولا يتصرف على أساسه.
الكتائبيون في انتظار الكاريزما
يشير أحد الكتابيين الملتزمين في معرض حديثه عن مستقبل الكتائب الى أن الحزبيين حزبيون حتى لو كانوا معتكفين في منازلهم. ومهما يكن من أمر، لن يتحول هؤلاء الى قوات ولا تيار وطني حر أو مردة أو ما شابه. يحرص على الاشارة الى أن الأمر نفسه لا ينطبق على أولاد هؤلاء الكتائبيين الذين أصبحوا بمعظمهم يوالون القوات لأنهم، بعكس أهلهم، لا يجدون في الكتائب ما يجذبهم. ويجمع ثلاثة من مسؤولي الكتائب أن فريق «الحردانين» الذي بات يتجاوز اعداد الحزبيين الممارسين لعملهم بأضعاف لن يرجع عن حرده الا بظرف واحد: أن تظهر شخصية ما من عائلة آل الجميل ذات كاريزما استثنائية تنجح في اعادة الأمل الى قلوب هؤلاء وتعمل معهم من أجل مستقبل سياسي أفضل. ولكن من الصعب الوقوع على هذه الشخصية لا سيما أن أولاد بيار الاثنين، ألكسندر وأمين لم يبلغا سنّ الرشد بعد. واذا ما افترضنا أنهما يملكان طموحات سياسية، سيكون الوقت قد فات على امكانية اعادة لملمة الحزب، يقول الكتائبيون، خصوصا أنهما سيطآن أرضاً فارغة نسبياً من الكتائب وأقرب الى القوات، الأمر الذي يحتّم عليهما البدء من الصفر.