بدا جلياً أن الإتصالات التي جرت في الساعات الماضية من معظم الأطراف السياسية والحزبية أدّت إلى التهدئة، تجنّباً لأي فتنة أو حروب عبثية في المناطق بفعل ما جرى بعد الإنتخابات، وحيث كاد يؤدّي في بعض المناطق إلى ما لا تُحمد عقباه، لولا حكمة بعض الزعامات والقيادات السياسية والحزبية، إلى الإجراءات التي اتُّخذت من قيادة الجيش لضبط الوضع، لا سيما في المناطق البالغة الحساسية والدقة، من هنا، وبعدما بات الجميع مقتنعاً بالفوز وبالخسارة، فالمعلومات التي تكشفها مصادر سياسية مواكبة للأجواء السياسية المرتبطة بالإستحقاقات المقبلة، بدأت تشير إلى التركيز على انتخابات رئاسة المجلس النيابي، ونائبه، إلى هيئة مكتب المجلس، وعلم في هذا السياق، أن تشاوراً حصل بين الحلفاء والمستقلّين والتغييريين، من أجل بلورة تفاهم سياسي جامع، كي لا يتحوّل هذا الإستحقاق إلى مواقف ومزايدات، وبالتالي، ضرب صيغة التوازنات القائمة في البلد، بحيث بات في حكم المؤكد إعادة بعض القوى السياسية، والتي خاضت الإنتخابات ضد “الثنائي الشيعي”، إلى إعادة انتخاب الرئيس نبيه بري لولاية جديدة، ولا سيما الحزب التقدمي الإشتراكي و”اللقاء الديمقراطي”، وذلك، حفاظاً على وحدة الصف في البلد، وعدم الدخول في متاهات ومزايدات، بمعزل عن كل الإعتبارات السياسية أو الخلافات والتباينات، وحيث يجب الإعتراف بالميثاقية، على اعتبار أن “الثنائي الشيعي” لديه مرشحه، بعدما حاز على الأكثرية الساحقة من أبناء طائفته.
من هذا المنطلق، فإن استحقاق انتخاب رئاسة المجلس ومن خلال القراءة السياسية والمعطيات والمعلومات، لن يكون معقّداً أو ثمة صعوبات تحيط به، إنما المخاوف والقلق يكمنان في كيفية التوصّل إلى توافق على رئيس الجمهورية العتيد داخلياً، ومن الطبيعي دولياً، على اعتبار أنه لم يسبق أن انتُخب رئيس إلا بتغطية من العواصم الكبرى، ولهذه الغاية، ثمة حراك سيبدأ في وقت ليس ببعيد، وتحديداً بعد انتخاب رئيس للمجلس النيابي، ليبدأ الحديث جدياً حول الملف الرئاسي، في حين أن الهواجس الحقيقية، والتي بدأت تخيِّم على البلد تتمثّل بما يحصل على المسارين المالي والإقتصادي، في ظل انهيار العملة الوطنية وغياب السيولة، إلى ما يتصل بالكهرباء وقطاع المحروقات، مما قد يؤدي إلى اهتزازات في الشارع ونقمة، نظراً إلى انهيار مرافق ومؤسّسات لها صلة مباشرة بالحياة اليومية للناس، أكان على صعيد الرغيف أو المحروقات، وفي ظل غياب للمعالجات مع شلل حكومي وانحدار مؤسّساتي، ونفاد المخزون النفطي والغذائي، وحيث ليس في الأفق من أي مساعدات دولية للبنان، سوى ما يصل منها للمؤسّسات الصحية والإجتماعية، ولكنها لا تفي بالغرض المطلوب أمام هول ما يجري على الأرض، والذي بدأ يؤسّس إلى واقع مجهول.
وفي المحصلة، دخل لبنان في حقبة بالغة الدقة، وتنذر بتصعيد سياسي وانقسامات، إلى ما قد يحصل من تحرّكات مطلبية، ربما تتخطى ذلك إلى صدامات وفوضى، وقد باتت اللعبة مفتوحة في هذا الإطار على أي تطورات وأحداث قد تندلع، في ظل ما يجري على الأرض من أزمات غير مسبوقة.
وفي موازاة ذلك، فإن الأيام المقبلة قد تبلور المشهد السياسي ما بعد الإنتخابات، ولكن، وفي حال لم تكن هناك من معالجات سريعة للقضايا الحياتية والمعيشية، فإن البلد يتّجه نحو كارثة حقيقية.