IMLebanon

رئاسة الجمهورية في زمن النسيان رغم الأخطار المخيفة الأحزاب غارقة في تفاصيل ومصالح، وحتى الكتائب تأخّروا

قبل التفجير الإجرامي في برج البراجنة، كان لبنان نجا من خلاف بطابع طائفي مسيحي – إسلامي. خلاف كان ليضاف كتفصيل إلى الصدام الكبير السني – الشيعي، والمتمادي مكاناً وزماناً في المنطقة الملتهبة حول بلاد تعيش دوماً على الحافة. تعيش كل يوم بيومه مع احتمال كارثة. ولا أسهل من إثارة الغرائز الجماعية فيها. لا يختلف في ذلك جمهور المسيحيين عن جمهور المسلمين برد الفعل الواحد عندما يُخيّل إليهم أن كرامة الطائفة على المحك ودورها لا يلقى اعترافاً بأهميته. ولو تنبه رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى هذه الحساسية، لما كان ارتكب دعسة ناقصة أتاحت للمتصدين تفسير إصراره على عقد الجلسة الإشتراعية في الموعد المحدد أنه يعتبر الكتل الرئيسية للنواب المسيحيين “صفراً على شمال”.

أنقذ الجميع الرئيس سعد الحريري في بيان من الرياض، ليُكتب ويحكى كثيراً بعد ذلك عن انتصارات وخسارات لهذا الفريق أو ذاك، والخاسر لبنان ما دام بلا رئيس جمهورية ولا مؤسسات تعمل في شكل طبيعي تالياً. جدير باللبنانيين هنا التوقف عند الموقف المبدئي للكتائب: هناك ثلاثة بنود واضحة جداً في الدستور ( 37 و74 و75) تمنع مجلس النواب في المطلق من التشريع وحتى من مناقشة أي عمل آخر قبل انتخاب رئيس للجمهورية في حال فرغت سُدّة الرئاسة. رأي يوافق عليه مجموع الدستوريين، وأيده خلال أيام قليلة مع حفظ الألقاب: صلاح حنين وأنطوان مسرة وزياد بارود وبول مرقص، وغيرهم. ولكن ما العمل حين تقرر طبقة سياسية بأكملها الخروج على الدستور ووضع قواعد أخرى لإدارة البلاد من خارجه؟

من لحظة فراغ سدة الرئاسة في 25 أيار 2014 بقرار من “حزب الله” و”تكتل التغيير والإصلاح”، بدأت القوى والأحزاب وسائر الهيئات السياسية مسيرة التكيّف مع الأمر الواقع كل على طريقته وبما يوافق مصالحه. لم يواجه الأفرقاء المفترض أنهم دعاة حماية الدستور وبناء الدولة، أو العبور إلى الدولة، عملية ضرب مؤسساتها من خلال حركة اعتراضية تصاعدية تشكل ضغطاً جدياً على النواب المقاطعين. لم توضع أجندة يومية للنضال سلماً وبكل الوسائل من أجل فرض انتخاب رئيس. لم يُرشق نائبٌ مقاطعٌ مشاركٌ في الجريمة بكلمة ولا بوردة. تدعو إلى التأمل واقعة أن التظاهرة الكتائبية في وسط بيروت أمس كانت اليتيمة لحزب تحت لافتة المناداة بانتخاب الرئيس. يُسَجّل للكتائب أيضاً أن إذاعة “صوت لبنان – الحرية والكرامة” الوحيدة التي تذكّر يومياً بأسماء النواب الذين يمنعون انتخاب رئيس للجمهورية، معرّضين شعبها لأخطار شتّى وديموقراطيتها للاندثار ولا من يحاسبهم أو يسأل. رغم ذلك غرق الحزب التاريخي كغيره مدى سنة ونصف سنة مع الحكومة الغريقة وفي تفاصيل مشكلات حياة المواطنين في لبنان التي تتصدر عناوين الجرائد وتختلف بين يوم ويوم. تجمّد هو أيضاً في العجز أمام معضلات كبيرة من السلاح غير الشرعي إلى النفايات المتراكمة بلا حل. فيما حزب “القوات اللبنانية” اختار أن ينحو شيئاً فشيئاً منحى السعي إلى وحدة مسيحية داخلية على حساب الاهتمام أكثر بوضع خطة عمل توصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية. في سبيل الوحدة الجزئية هذه ضحّى بأهمية التركيز على دفع النواب المقاطعين إلى مغادرة موقعهم المسيء إلى الجمهورية والتوجه إلى البرلمان عند أقرب جلسة انتخابية. لا بل تحالف حزب “القوات” في شكل أو آخر مع هؤلاء المعطلين من خلال ورقة “إعلان النيات”، ملقياً باللوم على “حزب الله” في تعطيل الدولة كأنه وحده لا شريك له، ومتباعداً عن حليف له في قوى 14 آذار بأسلوب “يجب على المستقبل”، و”المطلوب من رئيسه…” لتشتعل في الكواليس حرائق كلامية، ويقع “المستقبل” في فخ رد فعــــل غيــــر مدروس كاد أن يؤدي إلى مشكلـــة إضافية لولا قرار سحب إضافات النائب سمير الجسر إلى “قانون الجنسية” من التداول… وأيضاً لولا حبل نجاة موقتـــــة ألقاه سعد الحريري من الرياض فتعلق به جمهور السياسيين في الجمهورية المعلقة.