أظهرت مصادر سياسية بارزة الأهمية التي يوليها الرئيس سعد الحريري للبنان أولاً وللحفاظ على مؤسساته الدستورية، وإنقاذ أوضاعه مما وصلت إليه من خراب على المستويات كافة. وهذه الأهداف التي يتمسك بها، جعلته يقارب ملف الرئاسة من زاوية جديدة، لا تزال الاتصالات والمشاورات في شأنها قائمة وستستكمل على مدى الأيام المقبلة لبلورة صورة أوضح وأكثر اكتمالاً.
وتفيد المصادر نفسها بأن تبنّي الرئيس الحريري لترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، مضى عليه نحو سنة، ومضت سنة على تأييد هذا الترشيح حتى الآن. إنما منذ عام وحتى الآن، لم تحصل أي تطورات كبيرة حتى من جانب القيادات التي رحّبت بهذا الترشيح ودعمته من أجل أن يصل فرنجية إلى قصر بعبدا. وهذا ما ينطبق على رئيس مجلس النواب نبيه بري، والنائب وليد جنبلاط إن لم تحصل ضغوط كافية لانتخابه.
والأمور وصلت إلى هذا الحد من تحميل الحريري وتياره «زوراً» مسؤولية عدم انتخاب رئيس للجمهورية، وما يقوم به حالياً، هو تحريك الملف الرئاسي بشكل لا يمانع فيه بأي طرح أو توجه، وإن لم يكن يسعى لدعمه بقوة، بل الأهم لديه إنقاذ لبنان ومؤسساته الدستورية، وهو يقوم بتحركه السياسي سعياً إلى إيجاد حل للرئاسة.
حتى أن «حزب الله» قال لفرنجية لدى ترشحه «أمهلنا شهرين وسنسير بالموضوع»، وهذا الأمر لم يحصل. الآن لا يمكن اعتبار أن الحريري يسوق النائب ميشال عون، بل يتعامل مع الأمر بطريقة أن لا «ڤيتو» عليه.
وتفيد المصادر أن لا أحد يقوم بتحريك الملف الرئاسي مثلما يقوم به الرئيس الحريري. إنه يوفر نصاب جلسات الانتخاب، وساهم مساهمة فاعلة في السابق في تشكيل الحكومة، وكذلك في بحث مشاريع قوانين الانتخابات النيابية. وليس لديه «ڤيتو» على أحد. ولو فاز عون عندما جرى التصويت على رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، لكانت «كتلة المستقبل» باركت له.
وهناك تساؤلات منها «هل من الطبيعي أنه في كل مرة يفترض انتخاب رئيس للجمهورية كل ست سنوات يجب أن تمر البلاد في حالة فراغ، ويجب أن تكون هناك سلة لإنجاز هذا الاستحقاق المهم؟». إنه سؤال موجه إلى الأطراف المسيحيين. فهل مسموح أن يغير كل طرف الدستور ومفهومه؟ الدستور واضح، والنائب لا يحق له مقاطعة جلسات انتخاب الرئيس. الدستور وجد لاستمرارية المؤسسات، والمؤسسة الأم هي رئاسة الجمهورية، وبالتالي لا يحق للنواب عدم حضور جلسات الانتخاب. والمقاطعة تعني أن المقصود عدم انتخاب الرئيس وهذا جنون وفوضى. لذا يجب أن يحصل انتخاب، ويجب أن يصار إلى تفسير الدستور رسمياً من جانب المجلس النيابي. فالتصويت على الثقة للحكومة إجباري وليس اختيارياً، والشخصية الوحيدة التي تولي أولوية للبنان ومؤسساته الدستورية هي الرئيس الحريري، وبهذا يحفظ حقوق المسيحيين أنفسهم، ولا سيما موقع رئاسة الجمهورية. وأهم صلاحية لرئيس الجمهورية أنه يقترح على مجلس الوزراء اسم قائد الجيش، وبعض المسيحيين يريدون حالياً تعيين قائد للجيش. وبعضهم يعطل بعدم الحضور إلى المجلس النيابي لتأمين النصاب، حتى لو القرار في ذلك إيران، لكنهم ينفذونه، فأين صلاحيات المسيحيين؟
الآن الرئيس الحريري سيستمر في القيام بسلسلة لقاءات ومشاورات تشمل القيادات والمواقع كافة، وسيجري تقييماً لنتيجة مشاوراته، وسيعود إلى كتلة «المستقبل» في المواقف النهائية التي قد يخرج بها، إنما حتى الآن لا يوجد اتفاق شامل، ولا شيء مضموناً، كما أنه من الأهمية بمكان موقف حليف عون الأساسي «حزب الله» وما إذا كان فعلاً يريد إنهاء الملف الرئاسي. وموقف الرئيس بري هو محوري في هذا المجال، وبالتالي ليس محسوماً أن تكون جلسة 31 تشرين الأول المقبل جلسة انتخاب الرئيس، كما أنه في الوقت نفسه، إذا حصل تفاهم شامل حول الرئيس قبل 31 تشرين الأول، قد يقدم موعد الجلسة.