IMLebanon

الرئاسة أم الحوار؟!

 

 

 

يحتدم النقاش في لبنان اليوم، على البيضة والدجاجة. هناك تَوَهان عند المسؤولين. يريدون جلاء الحقيقة، يريدون جلاء المعرفة. تراهم يترددون في حسم خيارهم، أيذهبون أولا إلى الحوار الذي يدعوهم إليه عطوفة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، أم يذهبون إلى الرئاسة أولا؟! يملأون الشغور الرئاسي.. فينتخبون فخامة رئيس الجمهورية، كما يرغب نيافة الكاردينال مار إنطونيوس بطرس الراعي، بطريرك لبنان وسائر المشرق. ثم يعودون لتنظيم طاولة الحوار الوطني، والتحلّق حولها.

كثيرون يقولون، إن الجدالية في ذلك، ربما تهدر عمرا طويلا، حتى تتحقق، حتى نهتدي إليها، حتى نهتدي إلى رأي، إلى حل. وهم يشبهون القول في الأسبقية، بين الرئاسة والحوار، بأسبقية الدجاجة على البيضة، أم بأسبقية البيضة على الدجاجة، غير أن الخلاف في ذلك، هو أعمق بكثير.

فالدعوة إلى طاولة الحوار أولا، فيها خلل في «السيستيم» الذي يحكم لبنان، قبل الطائف وبعده. وأصحاب هذا الرأي، وفي طليعتهم، نيافة البطريرك الراعي، لا يخفون هاجسهم الكياني، والخوف على ضياع الرئاسة منهم، لأنهم يعتبرون، أنهم الأحق والأجدر بتصدّر أية طاولة، تبحث في الشؤون المصيرية في البلاد، وقبول دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وإلى جانبه، رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، تجعل الخلل يتسع في «السيستيم»، لأن الرئاسة الأولى شاغرة وغير مفعّلة، وكذلك الرئاسة الثالثة، ولو بدرجة أقل، بسبب الشغور الرئاسي. فكيف يرجى الحل، من طاولة حوار مصيري، مركّبة على «سيستيم» مختل؟ ولهذا نراهم يدعون إلى تأجيل الحوار الوطني، إلى ما بعد ملء الشغور الرئاسي، وإنتخاب الرئيس، ليُبنى على الشيء مقتضاه.

هذا الرأي يختصر حقيقة، بكلمتين: إعطونا الرئيس، وتعالوا إلى الحوار الوطني، حتى لا تكون الطاولة مختلّة، أو بكلام أوضح، حتى لا يكون الحوار مختلا.

أما الدعوة إلى إنتخاب الرئيس أولا، فهي تنزع من البرلمان اللبناني مشروعية دوره، في حل الأزمات الدستورية والقانونية، وفي مواجهة المآزق المصيرية والبحث عن حلول لها، وفي إرساء المعادلة الوطنية التي تحكم البلاد. ذلك أن السؤال الأساسي: أين يكون الحوار بين الشركاء، خارج المجلس النيابي، ما دام الجميع ممثلين فيه على قدم المساواة. وما دامت هذه الصيغة هي التي أرست قواعد العيش المشترك، وما دام الميثاق، هو الذي كان مؤتمنا عليها، وأن دور رئيس المجلس النيابي، في الحوار، إنما يقتصر على إدارة الجلسات، بحيث يكون على مسافة واحدة من جميع الشركاء المشاركين في الحوار.

يعيدنا النظر في الرئاسة أولا، أم الحوار، إلى نظرية البيضة قبل أم الدجاجة. ولهذا نرى أن الأمور ستزداد تعقيدا، كلما طال الشغور الرئاسي، وطالت معه أزمة الثقة بين المعارضين والممانعين.

فالدعوة إلى الرئاسة أولا، هي دعوة المعارضين بلا أدنى شك. غير أن الطريق مقطوعة عليها، بحاجز النصاب أم بحجته، لا فرق. ولهذا بات من الصعب التسليم بحجة المعارضين، لأنها مضروبة السلك. ومن الصعوبة بمكان، أن يمتلئ الشغور الرئاسي، ويضاء قصر بعبدا من جديد، بسلك مضروب أصلا. فما بالك إذا لم يكن هناك، «لا كهرباء دولة ولا مولد إشتراك».

وأما الدعوة إلى الحوار، فهي دعوة الممانعين. هي دعوة لبناء جدار يقي ظهر المقاومة، وسوف تظل هذه المعادلة تحكم لبنان في المدى المنظور، لأن الممانعين من المستحيل أن يقبلوا برئاسة، لا تحمي ظهر المقاومة. وليس في الأفق ما يشي بتغيير هذه المعادلة أو إستبدالها، إلّا على غرار ما إستبدل الوجود السوري، بالنزوح وبالمقاومة وبالممانعة.

لبنان اليوم بين فكي كماشة، ولا فكاك له من هذه الأزمة المعضلة. المعارضون على موقفهم من رفض الحوار قبل الرئاسة. والممانعون، على موقفهم، من الدعوة إلى حوار لرئيس يحمي ظهر المقاومة. وليس السؤال الذي يدور عن الرئاسة أولا أو الحوار، إلّا مثل السؤال القديم الجديد، عن البيضة قبل أم الدجاجة!.. وبذلك، لا ملء للشغور الرئاسي، في المدى المنظور، ولا وصول إلى طاولة الحوار. وسنظل ندور في حلقة مفرغة أمدا طويلا، إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا!

 

* أستاذ في الجامعة اللبنانية