IMLebanon

تولّي صلاحيات الرئاسة “في الاطار الضيّق”

 

 

لا طويلة ولا قصيرة… امّا ان تكون هناك حكومة جديدة تقود البلاد الى الاستحقاق الرئاسي أياً كان موعد انجازه، وإمّا تبقى حكومة تصريف الاعمال لهذه المهمة رغم ما يمكن ان تواجهه من تشكيك بدستوريتها كونها تمارس تصريف الاعمال في «الاطار الضيق».

مهلة تأليف الحكومة تضيق وستنتهي بمجرد ان يدعو رئيس مجلس النواب نبيه بري المجلس في الاول من ايلول المقبل الى انتخاب رئيس جديد، حيث تبدأ مهلة الستين يوما الدستورية لهذا الانتخاب وتنتهي في 31 تشرين الاول وهو اليوم الاخير من ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون.

وحتى الآن ليس معلوما بعد ما اذا كان بري سيبادر الى الدعوة في اول ايلول، ولكن بمجرد توجيه هذه الدعوة يتحول المجلس النيابي دستورياً هيئة ناخبة مهمتها فقط وقبل اي شيء آخر انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وفي هذه الحال لا يعود هناك من مجال لتأليف حكومة جديدة. ولذلك يقول معنيون في هذا المضمار ان المهلة المتبقية للتأليف تمتد من اليوم حتى لحظة صدور دعوة بري المجلس الى جلسة لانتخاب رئيس جديد.

لكنّ المؤشرات الى امكانية تأليف الحكومة الجديدة في هذه العجالة ليست مشجعة وتدل الى ان الولادة الحكومية ما تزال مستبعدة بسبب الخلاف المُستحكم بين المعنيين على التشكيلة الوزارية الجديدة، والتي يتنازعها موقفان: الاول يتمسك به عون ويدعو الى الابقاء على حكومة تصريف الاعمال وتوسيعها الى ثلاثين وزيراً بضَم ستة سياسيين بصفة «وزراء دولة» اليها، ولا مانع لديه عندئذ من تغيير بعض الاسماء في الحكومة الحالية مثل وزيري الاقتصاد والمهجرين امين سلام وعصام شرف الدين وغيرهما اذا اقتضى الامر، وهذا هو الامر الثاني الذي يطرحه الرئيس نجيب ميقاتي، الذي يعارض توسيع الحكومة ولا يرى له موجباً، ويقترح ان يتم تغيير وزيري الاقتصاد والمهجرين، ولا يمانع في تغيير وزير ثالث او اكثر اذا اقتضى الامر لتأمين التوافق على التشكيلة الحكومية.

وقد تكرر هذا المشهد الخلافي خلال اللقاء امس بين عون وميقاتي اذ بادر رئيس الجمهورية الى اعادة طرح تعيين 6 وزراء دولة لتصبح الحكومة من 30 وزيراً، فرد ميقاتي معارضا وتمسّك باقتراح تغيير وزيري الاقتصاد والمهجرين متمنياً على عون ان يسمي وزيرين بديلين، فرد الاخير ايجاباً. وانتهى اللقاء بأن غادر ميقاتي القصر الجمهوري على أمل ان يتلقى اسمَي وزيري الاقتصاد والمهجرين الجديدين.

وفي هذا الصدد يقول البعض ان مسألة من هذا النوع يمكن بتّها «عالواقف» ولا تحتاج الى طول وقت لتسمية الوزيرين البديلين، ولكن يبدو انّ المسألة ابعد من ذلك بكثير وتتصل بالاستحقاق الرئاسي وامكانية إنجازه في موعده الدستوري من عدمها ام يتأخر الى ما بعده، وكيف سيكون الحال سواء انجز ولم ينجز في ظل حكومة تصريف الاعمال وغياب الحكومة الدستورية الكاملة الصلاحيات؟

ويبدو ان لدى الفريق الذي يطرح الحكومة المطعّمة بستة وزراء دولة لديه معطيات بأن امكانية انتخاب رئيس جمهورية خلال المهلة الدستورية ليست متاحة، وبالتالي ينبغي تأليف حكومة ذات صبغة سياسية لأنها ستتولى صلاحيات رئاسة الجمهورية في فترة خلو سدتها.

والمنطق والواقع والدستور، على حد ما يقول قطب سياسي، يفرضون تأليف حكومة جديدة اليوم قبل الغد لتأمين ادارة شؤون البلاد سواء انتخب رئيس جمهورية جديد ام تأخر هذا الانتخاب، بحيث اذا حصل فراغ في سدة رئاسة الجمهورية تملأه الحكومة التي ينيط الدستور بها ممارسة صلاحيات هذه الرئاسة الى حين انتخاب الرئيس العتيد.

ولكن هذا المنطق يرد عليه بعض الاوساط السياسية بالقول ان الاصرار على تأليف حكومة جديدة يستبطِن، او يعني ان انتخاب رئيس الجمهورية لن يحصل في موعده او انّ بعض القوى السياسية لا تريد حصوله وترغب بالامساك بالسلطة من خلال حكومة تمارس صلاحيات رئاسة الجمهورية وتدير لعبة سياسية تراهن من خلالها على التمكّن في لحظة ما من إيصال الشخصية التي تريد الى سدة رئاسة الجمهورية.

غير ان هذا القطب السياسي يرى انه في حال لم تؤلف حكومة جديدة تستطيع تولي صلاحيات رئاسة الجمهورية في حال الفراغ، لن تكون هناك مشكلة اذ يمكن لحكومة تصريف الاعمال تولي هذه الصلاحيات «في الاطار الضيق» منها، تماماً كالاطار الضيق الذي تمارسه في تصريف الاعمال في مختلف المجالات والمنصوص عنه في الدستور حول حدود صلاحيات «حكومة تصريف الاعمال» في انتظار تأليف الحكومة الاصيلة.

لماذا يطرح عون حكومة الثلاثين المطعمة بستة وزراء دولة سياسيين؟
يجيب بعض المعنيين بالتأليف ان عون يخشى مِن تعذّر انتخاب خلف له قبل انتهاء ولايته، ولذلك يريد ان تكون الحكومة ذات طابع سياسي وان يكون ضمن وزراء الدولة الستة الذين يقترحهم رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل والوزير السابق والمستشار الرئاسي سليم جريصاتي، وذلك من ضمن الحصة المسيحية الثلاثية في لائحة وزراء الدولة.

لكن ميقاتي لا يؤيد تعيين وزراء دولة سياسيين، ويذهب البعض الى القول ان الرجل يشعر انّ خلف هذا الامر محاولة لتقويض حكومته تحت عنوان «التوازن السياسي»، وهذا التوزان هو في الحقيقة لن يكون توازناً بمقدار ما سيكون «شق انغام» أي باب لخلافات ومناكفات داخل الحكومة خلفيتها الاستحقاق الرئاسي خصوصا اذا طال عمرها وتأخّر انتخاب رئيس الجمهورية الجديد طويلاً.

وفي هذا المجال يذهب البعض الى القول ان باسيل لا يرى ضيراً ولا غضاضة في تأخر إنجاز الاستحقاق الرئاسي مراهناً على تولّد او توافر ظروف داخلية وخارجية تعيد فتح الطريق امامه للترشح شخصياً لرئاسة الجمهورية، واذا تعذر ذلك عليه يبادر الى ترشيح شخصية تواليه منطلقاً من كونه يملك كتلة نيابية مسيحية كبيرة.

لكن ميقاتي اثبت في تعاطيه مع الاستحقاق الحكومي حتى الآن انه ليس في وارد تأليف حكومة من هذا النوع، فلم يؤيد فكرة الحكومة الثلاثينية منذ ان طرحها رئيس الجمهورية، ولذلك هو ينتظر الآن تسمية عون لوزيري الاقتصاد والمهجرين واذا ارتأى عون تسمية اسم ثالث بدلاً من اي وزير من وزراء «التيار الوطني الحر» في الحكومة، فإنه لن يمانع في ذلك.

في المختصر، إن مدة المهلة المتاحة لتأليف الحكومة الجديدة مرهونة بموعد دعوة بري مجلس النواب الى انتخاب رئيس جديد، ولكن امام رئيس المجلس الآن جدول اعمال بمجموعة من مشاريع القوانين الملحة ويتصدرها مشروع قانون موازنة 2022، ولذلك قد يدعو الى جلسة تشريعية قريبة لإقرار ما أمكن من هذه المشاريع قبل تحوّل المجلس هيئة ناخبة لانتخاب رئيس الجمهورية. ويقول البعض انّ بري في حال تأخّر عن توجيه هذه الدعوة، فإن تأخّره لن يتجاوز منتصف ايلول المقبل، وفي هذه الحال يكون منح المعنيين بالتأليف الحكومي مهلة ثلاثة اسابيع تقريبا حتى يتفقوا على حكومة، واذا لم يتفقوا لن يعود هناك مجال لتأليفها بسبب صيرورة المجلس النيابي هيئة ناخبة لانتخاب رئيس جمهورية جديد، خلافاً لبعض الاجتهادات التي تقول عكس ذلك، واذا تعذّر الانتخاب وحل الفراغ فإنّ حكومة تصريف الاعمال ستتولى صلاحيات رئيس الجمهورية وتصرّفها في «الاطار الضيق»، مثل تصريفها صلاحياتها كحكومة مستقيلة.