IMLebanon

فوضى دستورية قد تنسف «الطائف»

 

 

حتى اليوم، لا أحد في داخل السلطة أو خارجها يوضح تصوُّره لما سيأتي بعد 31 تشرين الأول. الجميع يلتزم الصمت، وكأنّ هناك شيئاً ما يُنتظر وقوعه في اللحظة المناسبة. فما هي هذه المفاجأة؟

لا يبذل الرئيس ميشال عون، وكذلك الرئيس نجيب ميقاتي ومعهما سائر أركان السلطة، أي جهدٍ لتجنُّب المخاطر المحتمل وقوعها بعد نحو 8 أسابيع. وثمة مَن يعتقد أنّ بعض هؤلاء يمتلك تصوُّراً كافياً لهذه المخاطر، لكنه لا يتحرَّك لتجنّبها، ما يعني واحداً من 3 احتمالات:

 

1- أنّ القوى النافذة في السلطة مطمئنة إلى الوضع بما فيه الكفاية، وهي تعرف أنّ الأمور ممسوكة بضوابط داخلية وخارجية، وأنّها تحت السيطرة سياسياً وطائفياً وأمنياً، وأن لا قدرة لأحد على ضرب الحدّ الأدنى المتبقي من الاستقرار، أياً كانت الظروف.

 

2- أن هذه القوى تدرك المخاطر المحتملة وتخشاها، ولكنها لا تريد أن تتنازل لتجنّبها، أو هي عاجزة عن القيام بخطوات لتجنّبها. ولذلك، تنأى بنفسها عن الحريق، وترمي كرة النار في ملاعب الآخرين ليتدبّروا الأمور على مسؤوليتهم، ويعثروا على الحلول.

 

3- أنّ بعض القوى السياسية وأهل السلطة يدركون تماماً ما سيؤدي إليه الانهيار السياسي والدستوري والاقتصادي والإداري، ويعتبرون أنّ الوصول إلى أدنى القعر بات أمراً لا مفرّ منه، وأن لا مجال لأعادة تأسيس البلد إلّا بعد وصوله إلى ما يشبه التفكّك الكامل.

 

وهذا الاحتمال الثالث يتمّ التداول به في عدد من الأوساط. فثمة مَن يربط بين عناصر الانهيار كلها ويرى أنّها تتكامل في شكل متعمّد لبلوغ حالة من الفوضى الشاملة، تبرّر دخول الجميع في تسويات جديدة. والموعد المنتظر للدخول في هذه المرحلة، هو تلقائياً نهاية عهد الرئيس ميشال عون، عندما يقع الجميع في التخبّط الدستوري المنتظر.

 

فلا عون سيرضى بتسليم صلاحيات الرئاسة بالوكالة لحكومة تصريف أعمال، ولا هو قادر على إزاحة الرئيس نجيب ميقاتي بسحب التكليف منه، ولا هو قادر على ممارسة الضغط الكافي عليه لدفعه إلى تشكيل حكومة تصدر مراسيمها وتنال الثقة لتصبح مكتملة المواصفات الدستورية قبل انقضاء الأسابيع الثمانية المتبقية.

 

وفي المقابل، لا يستطيع ميقاتي فرض تشكيل الحكومة التي يريدها، ولا إجبار عون على إخلاء موقع الرئاسة لحكومة التصريف بعد 31 تشرين الأول. وفي الوقت نفسه، هو لا يقبل الانكسار له والقبول بشروطه، ولا أحد يستطيع إجباره على ذلك.

 

وسط هذه المعادلة الشبيهة بمقولة جورج نقاش الشهيرة: «سلبيتان لا تصنعان وطناً» Deux négations ne font pas une nation، يمكن التأكُّد من أنّ البلد مقبل على فوضى سيغرق فيها الجميع، وربما تكون محسوبة جيداً أو مخططاً لها أو مسموحاً بها على الأقل.

 

إذا لم تحصل معجزة قبل 31 تشرين الأول، فإنّ هذا الموعد سيشهد فلتاناً غير محدود على مستويات مختلفة، تبدأ دستورية – سياسية ولا تنتهي اقتصادية ومالية ونقدية، وسيكون الهاجس ضبط الفلتان أمنياً.

 

وفي هذه المناخات، ستتحوّل المرجعيات الدينية والطوائفية معاقلَ ومتاريس تؤمّن الحمايات الطوائفية هنا وهناك. وعلى الأرجح، سيختلط الحابل بالنابل سياسياً، وتتعذّر معرفة «مين مع مين، ومين ضد مين»!

 

المواجهة الأساسية سيكون محورها الصلاحيات الدستورية، بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة. ولن تقبل مرجعية طوائفية بـ«التنازل» في هذا الأمر، خصوصاً أنّ المرحلة حسّاسة ويتمّ فيها رسم حدود النفوذ والقرار بين القوى الطوائفية والسياسية.

 

وفي الواجهة، سيتقابل المسيحيون مع السنّة، فيما سيلتزم الشيعة جانب الحكَم أو القوة المرجّحة والحاسمة. ولذلك، ومرّة أخرى، عمد رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط إلى تدبير مكان للدروز، كبيضة قبّان، بالتفاهم مع الشيعة.

 

ليست هناك فرصة لحسم المواجهة إذا لم يتمّ تحريك المستنقع، أي إدخال عناصر جديدة تنهي حال المراوحة. وهذا يعني أنّ النزاع الصامت القائم حالياً بين عون وميقاتي حول الصلاحيات يُفترض أن ينفجر. وهو ما سيحصل في الدقيقة الأولى من اليوم الأول من تشرين الثاني المقبل.

 

في هذه اللحظة، سيُفتح النقاش حول كل «المحرّمات» التي بقيت مطوية في «الطائف» منذ العام 1989 وسلطة ما بعد «الطائف»، بإرادة الراعي السوري آنذاك، ولمصالحه كما لمصالح هذه الطائفة أو تلك، وهذه القوة السياسية أو تلك. وهذا قد يؤدي إلى طرح «اتفاق الطائف» بكامله مجدداً على طاولة البحث.

 

في ظلّ هذه الظروف وموازين القوى، مَن سيكون الأب الحقيقي لـ«الطائف»، الحريص عليه؟ وكيف سيصمد دستور «الطائف» إذا كان هناك بين القوى النافذة مَن وجد الفرصة الملائمة للانتقام منه؟