حاول الرئيس حسين الحسيني ان يرسم خريطة طريق لحل يخرج البلاد من مأزق الجمود والشغور الرئاسي، فاقترح ولاية رئاسية استثنائية لسنة او سنتين حداً اقصى، يعمل خلالها الرئيس على اقرار قانون جديد للانتخابات النيابية واجراء الاستحقاق النيابي لينتخب المجلس الجديد رئيساً للبلاد يتسلم الامانة لولاية كاملة لست سنوات. لكن الرئيس الحسيني لم يتنبه الى واقع الازمة التي تتخطى حدود البلد الصغير وتحول دون اتمام المهمة المقترحة، مما يعني ان الرئيس الانتقالي قد يضيّع سنتين اضافيتين من دون انجاز، بل ان الرئيس قد يجهد سنتين لإرضاء كل الاطراف، وإنْ بالتعطيل، لضمان اعادة انتخابه او انتخاب مقرب منه، اذا ما احتُسبت الولاية المنقوصة ولاية لا تجيز له الترشح بعدها مباشرة.
واقتراح الرئيس الحسيني تلقفته دوائر عدة، مخابراتية وديبلوماسية، رأت فيه مخرجاً ممكناً لحال التأزم والشغور المستمرة منذ نحو سنتين. وكل جهة تنظر اليه من زاوية مختلفة. الطرف الاستخباراتي تحدث في مجالس ضيقة عن “اقتراح يرضي ميشال عون وسليمان فرنجية” ومفاده ان السنتين ترضيان عون ببلوغه قصر بعبدا وتسجيله انجاز ترتيب الانتخابات وفق قانون جديد، في مقابل تجديد الوعد لفرنجية بان يكون الرئيس التالي بعدما ضمن فريق 8 آذار الرئاسة له. وبذلك يكون هذا الفريق قد ضرب عصفورين بحجر واحد. لكن الطرف الافعل في هذا الفريق لم يستجب لهذا النداء، والعماد عون يرفضه متمسكاً برئاسة مكتملة الولاية والصلاحية، ولان الرئيس عادة لا يطاع في السنتين الاخيرتين من عهده، فكيف الامر اذا كان عمر الرئاسة سنتين. اضف ان النائب فرنجية لن يكون مقتنعاً بوعد “السمك في البحر” ، اذ ماذا يضمن اعادة ترشيحه بعد سنتين؟
اما الدوائر الديبلوماسية، وتحديداً الفرنسية، فتتخبط في افكار متداخلة رغبة منها في انهاء الشغور الرئاسي، خصوصاَ بعدما تفاقمت أزمة اللاجئين السوريين في اتجاه اوروبا، وتزايد خطر هؤلاء. وقد تلقفت بعض هذه الدوائر الاقتراح وناقشته مع بكركي ومع شخصيات سياسية لبنانية. لكن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي تحفظ بداية عن الفكرة لتجنب اللعب بالدستور وبالولاية الرئاسية، ولعدم الدخول في متاهات سياسية، فمن يمكنه الحصول على ثلثي الاصوات لولاية قصيرة يمكنه نيلها لولاية كاملة.
لكن البطريرك، وبعدما دب الاحباط فيه من اتساع هوة الفراغ، صار قابلاً بكل اقتراح ينهي الازمة القائمة، فإذ به يطرح على الرئيس الفرنسي الفكرة من ضمن افكار اخرى، لكنه سرعان ما تبرأ منها بعدما اثارت لغطاً كبيراً وقوبلت برفض شديد.
في اختصار، سقط الاقتراح بالضربة القاضية، لان رئاسة السنتين ستفسح في المجال امام اقتراحات مماثلة كلما تأزمت الامور، وستصبح الرئاسة ضعيفة ومهانة وذليلة اكثر مما هي عليه في واقعنا الراهن. فالتنازل يجر التنازل، وصولاً الى القعر.