IMLebanon

الرئاسيات: بانتظار الظروف المؤاتية وحظّ يفلق الصخر

 

 

ها هو غبطة البطريرك الماروني، الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يضع ثقله وقوله وعظاته، في كفة الميزان «الطابش» أصلا لمصلحة الجيش اللبناني الوطني، مستنكرا الحملة المريبة التي تطاوله وتحاول النيل من مناقبيته وقيمه، قيادةً وضباطاً وأفراداً، كما استنكر غبطته في الوقت نفسه التصويب على مصرف لبنان برئاسة حاكمه الذي حاز على كل التقدير الدولي ونجح في المحافظة على الإستقرار السياسي والمالي والنقدي والإجتماعي في هذه الظروف الصعبة والضاغطة، والحافلة بالمزالق والتحديات التي يعيشها لبنان.

 

وقد انطلقت كلمات صاحب الغبطة بعد البيان الذي أدلى به فخامة الرئيس عون، ملمحا إلى مسؤوليات ناتجة عن الحالة الإقتصادية الداهمة والتي اعتبر فخامته  أن زمامها قد افلت خلال الأيام القليلة التي أمضاها في مدينة نيويورك مصطحبا معه عددا من الرفاق والمسؤولين المنتمي معظمهم الكاسح إلى التيار الوطني الحر، وقد أدلى فخامته لدى عودته إلى لبنان بأنه يجهل ما حصل خلال تلك الأيام النيويوركية، ملقيا المسؤولية الرئيسية على سواه، وفي طليعتهم كل من وزير المال وحاكم البنك المركزي اللبناني الأمر الذي دفع بالأمين العام السابق لتكتل 14 آذار الدكتور سعيد إلى دعوة فخامته إذا كان لا يعرف ما حصل… إلى الإستقالة، وفي ما تعلق بحاكم مصرف لبنان، فقد نال نصيبه من الدفاع الرفيع والمميز من خلال التصريح الذي أدلى به غبطة البطريرك، أما وزير المال فقد أخذ حزبه حقه بيده من خلال بعض أوجه التظاهرات التي ملأت نماذج مصغرة منها أنحاء البلاد وفي الطليعة مدينة بيروت حيث كانت لحركة أمل يد طولى أوصلت من خلالها إلى العلم العام أن هز أعمدة وزارة المال خط أحمر، تماما كما كان التعرض للرئيس بري ذات يوم مضى وانقضى، من قبل الوزير باسيل خطا أحمر، لقي نصيبه آنذاك من التصدي العنيف الذي باغت الجميع، وقد بات معلوما، وملغوما، كل هذا التشنج في التعامل مع كل من يلقى أي ترشيح أو تأييد أو تبني للترشح لموقع رئاسة الجمهورية رغم النفي الكلامي الذي يصدره الوزير باسيل حول كل نواياه الآيلة إلى التوجه بالترشح للرئاسة الأولى، الذي كلما خبا عن الوضوح في بعض الظروف المتحسبة والمتوجسة، كان الدعم الذي يلقاه علنا من كبير المسؤولين في المنابر الداخلية والخارجية، خير دليل وأوضح مؤشر على أن أي ترشيح حاصل أو محتمل لموقع الرئاسة، سيواجه سريعا أن لم يكن من الوزير باسيل نفسه، فمن البدائل الدفاعية والهجومية الجاهزة للمواجهة والتحرك  من خلال الأصدقاء والأزلام وأركان التواصل الإجتماعي التابع للتيار الوطني الحر الذين لا يقصّرون أبدا في هذا المجال، حتى ولو كانت الألسنة الطويلة هي سلاح المؤازرة والتصدي. خاصة منها ذلك اللسان الطويل المفتقر إلى التقدير الوطني السليم الذي أطلق رشقاته المؤذية والمسيئة بحق الرئيس الشهيد رفيق الحريري والمتمثل بلسان النائب الأسود.

 

ولئن كان قائد الجيش وحاكم البنك المركزي في طليعة من تبرز أسماؤهم في هذا الإطار الرئاسي حتى ولو جاء الأمر خلسة أو عن سابق تصور وتصميم، فإن أركانا وطنية كثيرا ما تشارك هذين المرشحين المحتملين في الإحتمالات الرئاسية المقبلة كالوزير السابق سليمان فرنجية ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، وسواهما من ذوي الأهلية والكفاءة والجدارة، وجميع هؤلاء قد باتوا في موقع الرشق والتجني.

 

وعليه، كانت المظاهرة التي انطلقت في أواخر الأسبوع المنصرم في كثير من المناطق اللبنانية، تضم في واقع الأمر قطاعات متعددة، وأحيانا متناقضة ومتناهضة من المواطنين من ذوي الإتجاهات المختلفة، كان أهمها وأبرزها ذلك القطاع المعاني والمكابد من غلاء المعيشة وانهيار أسس ومعايير الحياة الكريمة، لذا، واذا استخلصنا منها بعض القطاعات ذات الطابع الحزبي الموجه وأخرى شكلت طابورا خامسا ملأ المظاهر الإحتجاجية نارا موقدة، ودخانها الخانق أطبق على الأنفاس والمشاعر والمواقف المتحفظة، كما لم يكفه ما داخل أنوف الناس وصدورهم من هذه العينات التي لا يمكن تبرئتها من فداحة ما أقدمت عليه وأجبرت كثيرا من المواطنين من خلال هول معاناتهم وقساوة صمودهم، إلى مغادرة الأمكنة الملتهبة وتسليم أمورهم إلى الأقدار والمظالم، بعد الإندفاع الشعبي الملتهب الذي كان خير معين على تجاوز الأزمة الحادة التي يجتازها الوطن في هذه الأيام العصيبة، اطلالة شعبية ملفتة بما طاولته الإنتقادات والهتافات الرئيسية المخلصة، وتلك الدعوات التي كان جزء هام منها بريء من كل مداخلات غريبة عن الصالح العام، وبعيدة عن توظيفات المصالح الموجهة نحو المناصب والمراكز والإمساك بمقاليد البلاد والعباد في مرحلة زمنية مقبلة، رغم أن الزمن المتبقي لاستحقاقاتها يتطلب ما يناهز ثلاث سنوات مقبلة من الانتظار والترقب، كما يتطلب حظا يفلق الصخر، وظروفا محلية وإقليمية مؤاتية وملائمة، الأمر الذي تتحكم به أوضاع لا يستطيع اللبنانيون المغلوبون على أمرهم، الإمساك بمقاديرها ومفاتيحها وتوجهاتها.

 

وبعد: سيادة البطريرك – الكاردينال وضع أصبعه على الواقع والدافع والأهداف القريبة والبعيدة. حكمةُ سيادته إضافة إلى سواها من الآراء والمواقف والدوافع المخلصة والحكيمة سترعى هذا البلد إلى ما شاء الله، ومواطنيه المخلصين.