ليس غريبا أن يذرف الرئيس باراك أوباما دمعة، وهو يلقي خطابه الوداعي في شيكاغو عشيّة مغادرة البيت الأبيض. الغريب، برغم براعة الرجل في الخطابة، هو صعوبة ايجاد تعبير يحدّد مبدأ أوباما بعد ثماني سنوات من ممارسة السلطة في أقوى منصب في العالم. لا فقط بالنسبة الى الذين رأوه حكيما، وفَهم التحولات في أميركا والعالم بل أيضا بالنسبة الى الذين انتقدوا تردده وتراجعه وهم ينظرون اليه من زوايا بلدانهم. حتى الخندقة لتوصيف استراتيجيته، والقيادة من الخلف لتصوير مواقفه وخصوصا في الشرق الأوسط، ومصالحة الأعداء كنهج قاده الى كوبا والى الاتفاق النووي مع ايران، فانها بدت أبسط من تحديد مبدأ أو عقيدة أوباما في عالم قاسٍ ومعقّد جدا كما وصفه في حديثه الشهير مع جيفري غولدبيرغ في ذي أتلانتيك.
لكن الانجاز الواضح لأوباما هو قضاء ثماني سنوات في البيت الأبيض من دون ان تلاحقه فضيحة. لا مالية، ولا نسائية. فليس في تاريخ الرئاسة الأميركية من جورج واشنطن الى باراك أوباما سوى قلائل من بين أربعة وأربعين رئيسا سلموا من الفضائح. والرئيس الخامس والأربعون دونالد ترامب تسبق الفضائح وصوله الى البيت الأبيض. أما الحكام في الشرق الأوسط وبقية أنحاء العالم، فان السلطة بالنسبة الى القسم الأكبر منهم هي الفرصة لتكديس المال في الحسابات الخاصة حتى في البلدان الفقيرة. وأما الفضائح النسائية، فانها تبقى خارج التداول الاعلامي والمساءلة السياسية.
لكن الانجاز المهمّ للأميركيين، وهو انتخاب رئيس أسود لولايتين في البيت الأبيض، فانه بدا مجرد فاصل في سيناريو العنصرية. إذ ان لينكولن حرّر العبيد بعد الحرب الأهلية التي جنّدهم فيها. ومارتن لوثر كينغ قاد حركة حقوق السود ودفع حياته ثمنا لها بالاغتيال، بحيث تحققت مطالب مهمة أيام كينيدي ثم جونسون. لكن العنصرية لم تمت. وها هو أوباما يقول في خطابه الوداعي ان العنصرية لا تزال عاملا تقسيميا في المجتمع الأميركي. لا بل يعترف بأنه بعد انتخابي أثير حديث عن أميركا ما بعد التمييز العنصري. لكن هذه الرواية، برغم النيّات الحسنة، لم تكن أبدا واقعية. فالعرق ظلّ قوة فاعلة وسبّب انشقاقا داخل مجتمعنا.
وبكلام آخر، فان العنصرية ازدادت بدل أن تنقص خلال وجود أوباما في البيت الأبيض. ولم يكن الرأسمال السياسي الذي جمعه ترامب سوى هجومه على أوباما والتشكيك بولادته في أميركا وبايمانه المسيحي والتركيز على نشأته في اندونيسيا كما على كون والده مسلما. ولا كان بعض ما قاد الى انتخابه سوى التصويت الاعتراضي للبيض على أوباما.