أخاطبك باسم شرائح واسعة من الثورة ممن يحترمون مقام الرئاسة رغم اختلافهم معك في الآراء والمواقف، ويناضلون لا لتغيير النظام بل على العكس، للحفاظ على النافذة الديموقراطية الوحيدة في هذا الشرق المظلم المحكوم بالاستبداد، أي للحفاظ على الدولة ومؤسساتها.
بقدر احترامنا لمقام الرئاسة نحتقر مستشاريك لأنهم يسيئون إليها وإليك بما يُعدّون لك من القرارات والبيانات والإطلالات الإعلامية، ويذكروننا بكليلة ودمنة وبمن كان يحيك “المقالب” على ملك الغابة.
أنت الرئيس. ولأنك الأكثر تمثيلاً بين المسيحيين صرت مؤتمناً لا على حزبك وطائفتك فحسب بل على البلاد والعباد والدستور والقوانين، وعلى مصير الوطن. إذن أنت فوق الانقسامات والاقتسامات والمماحكات ومناورات المتحاصصين.
يصر مستشاروك وأنصارك على نعتك بالرئيس المسيحي القوي، ربما لا يعرفون أن القوة نابعة من إيمان البطركية التاريخي بأن لبنان الكبير الذي تأسس عام 1920 ليس لبنان الفينيقي ولا لبنان القائمقاميتين ولا لبنان المتصرفية، ولا لبنان الولاية التابعة للباب العالي. ومن فضائل الكنيسة على لبنان أنها ساهمت بتحريره من استبداد السلطنة، وهي لم تحرره ليصير خاضعاً لسلطنات أخرى.
ويصر مستشاروك وأنصارك على الخصومة مع أهل السنة مع أن الوطن قام بالضبط على الشراكة معهم منذ رياض الصلح. لو قرأ مستشاروك مذكرات يوسف سالم لرأوا كيف وقف أعضاء الوفد المسيحيون وراء رئيسهم السني ليبينوا للفرنسيين أن المفردات الطائفية ليست من لغتهم، وأن الوحدة الوطنية هي ضمانة حرية الوطن وسيادته واستقلاله.
لو أنك تنصحهم بقراءة مذكرات فؤاد بطرس، فقد يتعلمون منها كيف يتفاوض الضعيف، إذا كان وطنياً، مع القوي من موقع الند للند، من غير ما حساب لعديد الجيوش وعدتها وللقوى العسكرية الفلسطينية والسورية والإسرائيلية. فؤاد بطرس هذا، تدرج حتى بلغ القمة في سلك المسؤولية من قاض شريف ومستقيم إلى واحد من كبار حراس السيادة والدستور الأقوياء.
أنت سيد القصر وسيد البلاد وسيد القرار. إن كان قد فات أوان تعليمهم فبإمكانك وحدك أن تقرر لتنقذ الوطن من التفكك والعملة الوطنية من الانهيار والشعب من الجوع. بإمكانك أن تأتي بالرئيس المكلف وتطلب إليه، بقوة الدستور، أن يشكل الحكومة التي يشاء على أن يتحمل المسؤولية أمامك أنت أولاً، لأنك أنت العين الساهرة، وبعدها أمام المجلس النيابي، ولأنك أنت المؤتمن على حماية الدستور وليس المجلس النيابي.
بإمكانك أن تجيز له تشكيل حكومة إنقاذ على غرار ما فعل مؤسس الجيش اللبناني فؤاد شهاب يوم أنقذ الوطن بحكومة من أربعة، وزراء لم يتمثل فيها الشيعة والدروز والكاثوليك والأرثوذكس والأرمن وسائر الطوائف الأخرى، بل تشكلت من اثنين من الموارنة واثنين من السنة، ولم يشكك أحد بميثاقيتها وشرعيتها.
أن تجيز له أن يفعل ذلك شرط أن يأتيك ببرنامج حكومي يتعهد فيه بمحاسبة الفاسدين واسترجاع المال المنهوب وملاحقة المختلسين وضبط الحدود بقوة القانون والمناعة الأخلاقية قبل آلات السكانر، وذلك لمنع تهريب البشر والعملة الصعبة والمواد المدعومة بأموال المصرف المركزي، ومنع استخدام الساحة اللبنانية منصة لإطلاق الرسائل والصواريخ أو لتصدير المخدرات؛ ويتعهد فيه بإعادة إعمار ما تهدم بعد انفجار آب المنصرم ومحاسبة المسؤولين عنه، وإعادة بناء مرفأ بيروت ليكون الأول على الشاطئ الشرقي للمتوسط.
سيادة الرئيس
إن فعلت ذلك سندعو، باسم مجموعات الثورة الحريصة على التغيير بالآليات الدستورية، إلى التظاهر أمام القصر الجمهوري، دعماً لموقفك هذا وانتصاراً لقرار شجاع ينتظره اللبنانيون منك.