خرج الرئيس ميشال عون من قصرٍ إلى قصر، والفراغ في قصر بعبدا لا يـزال يفتّـش عن رجل.
في النظام الملك
ي: مـات الملك عاش الملك…
في النظام الديمقراطي: يذهب الرئيس فيأتي الرئيس…
في النظام الديمقراطي اللبناني: يذهب الرئيس، والرئيس الخلَـف يذهب مع الريح.
لا يزال الرئيس نبيـه بـرّي يُجري اختبارات نيابية لاكتشاف ذلك المجهول، كمَـنْ يذكّرنا بالمخترع الأميركي: «توماس أديسون» الذي قـام بأكثر من مئـةِ اختبارٍ واختبار، فكان نصيب جميعها الفشل، ولمّـا قيل لـه: إنك أضعتَ وقتك سدىً أجاب: لا.. بل اكتشفت أنّ هناك أكثر من مئـة اختبار لـم تُـنجِزْ شيئاً.
هذا يعني: أنّ عـدم الإنجاز الرئاسي بالإختبار هو أيضاً اختبار، وأن عـدم الإنتخاب هو اختبارٌ للنواب، واختبارٌ للنواب الموارنة تحديداً.
رئيس الجمهورية ماروني، والموارنة مصابون بالإلحاد السياسي، وكلُّهم يدّعي القداسة، وما كانت للمعارك الإنتخابية جولـةٌ، إلاّ كانت بينهم جولـةٌ للسيف.
لا… ليس كـلُّ ماروني من حقّـه أن يترشّح للرئاسة بحجّـة القـوة المظهرية أوْ القاعدة التمثيلية، ولا يستطيع أنْ يتشبّـه بالكرام مَـنْ يعاني مخاض سنّ الرشد والهوَس السياسي.. فليس كلّ قصير القامة نابوليون وليس كلّ أصلع شكسبير، وليس النظام البريطاني منافياً للمساواة، إذا كان لا يستطيع كـلُّ بريطاني أنْ يصبح ملكاً.
هل يتذكّر الموارنة أنّ الصراعات المارونية حـول رئاسة الجمهورية أدّتْ إلى أنْ يتولاّها سنة 1926 شارل دباس الأرتوذكسي…؟
وبفعل هذا النزاع الماروني الشرس كادت الرئاسة تفقد مارونيتَها عندما رشّـح إميل إده للرئاسة الشيخ محمد الجسر في وجـهِ الشيخ بشاره الخوري…؟
وأنّ الصراع العسكري العنيف في حروب الإلغاء حول الزعامة المارونية – الرئاسية، تحوّل إلى صراع مع الـذات وإلى إلغاء حجم القيادات وإلغاء الحضور الماروني معاً…؟
ما رأي الرئيس نبيـه بـرّي، إذا ما تكرّرت الجلسات الإنتخابية الفارغة، لـو يلجأ إلى التحكيم الذي اقترحه الشيخ بشاره الخوري بينـه وبين إميل إده، على المندوب السامي الفرنسي الجنرال «كاتـرو» فاختار الشيخ بشاره سليم تقلا حكَماً، واختار إميل إده حبيب أبو شهلا، ثـمَّ انسحب إده من التحكيم لأنـه لـم يكن لصالحه.
وكان من نتيجـة هذا الإختبار الذي لـم يُنجـز شيئاً أنْ راح الجنرال «كاتـرو»، يبحث عن رجـلٍ «سيادي إصلاحي حيادي نظيف الكـف» فاهتدى إلى الرئيس أيوب تابت، ومع أن الرئيس تابت كان من غُـلاة الموارنة فلمْ تبـرز جدارتُـه الرئاسية إلاّ عندما تحـوّل إلى المذهبِ الإنجيلي.
تبقى هناك ملاحظة تتعلق بالمصير الوطني المترنّح، والوطن فـوق الدستور، والدستور يُكتبُ للوطن.
إذا كان المجلس النيابي يعتبر التهرّب من انتخاب الرئيس لعبـةً ديمقراطية، فإنّ الأمر حين يرتبط بترسيم مصير الوطن والشعب، تصبح اللعبة الديمقراطية تلاعباً بالشعب والوطن.
وإذا كان تعطيل الإنتخاب هو حـقٌّ دستوري فإنّ الدستور روحٌ وطنية قبـل أنْ يكون مـادةً دستورية، ولا يحقّ لمـادة النصّ أن تقتل مـادة الروح.
ولكن، إذا راحت هذه اللعبة الديمقراطية تكـرّر نفسها مع لعبـة حـقِّ التعطيل مضافـةً إلى لعبةِ التعطيل في السنوات المنصرمة الست، وفيما نحن نستنزف أنفسنا حتى آخـر نقطة من الـدم، فقد يصبح مـن حـقّ الشعب أن يطالب المجلس النيابي الذي هو سيد نفسه بأن يحـلّ نفسه.