“رئيس أتى في زمن عسير، ويُؤمل منه الكثير في تخطي الصعاب، وليس مجرد التآلف والتأقلم معها، في تأمين استقرار يتوق إليه اللبنانيون، كي لا تبقى أقصى أحلامهم حقيبة السفر”.
هذا ماتعهّد به الرئيس عون في خطاب القسم، بعد انتخابه رئيسًا في الجلسة المحاولة السادسة والأربعين في نوعها بعد تعذر توصل النواب اللبنانيين، على مدى أكثر من عامين، إلى إجماع حول اسم الرئيس الجديد.
والجدير ذكره أن الأستاذ “نبيه بري” كان قد أعلن عن رفضه التصويت لعون، وانضم إليه في موقفه هذا أعضاء نواب بارزون.
وحضر الجلسة ١٢٧ نائبًا، التي كانت غير مسبوقة في تاريخ انتخاب رؤساء لبنان إذ أعيد الانتخاب فيها أربع مرات،وحصل عون على ٨٤ صوتًا في الدورة الأولى أي أقل من ثلثي الأصوات، فيما ينص الدستور على أن الفوز من الدورة الأولى يتطلب الحصول على ثلثي الأصوات، بينما يكتفى الأكثرية المطلقة في الدورات التي تلي، وجرت دورة ثانية لم تحتسب لانه تم العثور في صندوقة الاقتراع على ١٢٨ ورقة بينما يفترض ان يكون العدد ١٢٧(بسبب استقالة أحد النواب قبل الجلسة بأشهر)، وتكرر الأمر في دورة ثالثة لم تحتسب، واخيرًا، وبعد ادلاء النواب بأصواتهم للمرة الرابعة، حصل عون على ٨٤ صوتًا،واعلن رئيس مجلس النواب “نبيه بري” حصول ميشال عون على ٨٣ صوتًا مقابل ٣٦ ورقة بيضاء، وسبعة اوراق مُلغاة وصوت واحد للنائبة ستريدا جعجع.
وفور اقفال جلسة الانتخاب، افتتح رئيس المجلس جلسة القسم التي أقسم خلالها عون على الدستور “انني ساحترم دستور الأمة اللبنانية وقوانينها واحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة اراضيه”.
وقال “بري” في كلمة توجّه بها للرئيس الجديد “انتخابكم يجب أن يكون بداية وليس نهاية، وهذا المجلس على استعداد لمد اليد لإعلاء لبنان”، وبدأ عون بعد القسم في تلاوة خطاب القيم ليوضّح فيه برنامج حكمه الذي يفترض أن يستمر ست سنوات، وليس إلى ٢٠١٢/١٢/٣١ كما صرّح بذلك بزلة لسان لقناة الجزيرة على الهواء مباشرة، حينما زار قطر الإثنين الماضي (وزلة اللسان كما يوصفها”سيغموند شلومو فرويد” ( ١٩٣٩/١٨٥٦)مؤسس علم التحليل النفسي، بأن”زلة اللسان تفضح المشاعر والرغبات المكبوتة في العقل الباطني”.
ومما جاء في خطاب القسم ما أشرت إليه في الفقرة الأولى بأن عهده سيؤمن الإستقرار الذي يتوق إليه اللبنانيون، كي لا تبقى أقصى أحلامهم حقيبة السفر”.
لاحظوا هذه الإشارة:”كي لا تبقى أقصى أحلام اللبنانيين حقيبة سفر”، ولكن الواقع على الأرض يشر إلى أن ما حصل في الخمس سنوات العجاف الماصية هو أن اقصى أحلام اللبنانيين صارت “حقيبة السفر”، أي الهجرة عن الوطن بحثًا عن الكرامة القمة العيش.. وهذا يشمل كل الفئات اللبنانية، وخصوصًا الشباب منهم(حوالي ٧٧% يتطلعون إلى الهجرة)، هذا عدا فئات الأطباء والمدرسين وأساتذة الجامعات وغيرهم..
و توقع تقرير صادر عن “مرصد الأزمة” في الجامعة الأمريكية ببيروت بتاريخ ٢٠٢١/٨/٣٠، “طول أمد الأزمة اللبنانية، فالبنك الدولي يُقدر أن لبنان يحتاج في أحسن الأحوال إلى ١٢ سنة ليعود إلى مستويات الناتج المحلي التي كانت في عام ٢٠١٧، وفي أسوأ الأحوال إلى 19 سنة..ونوه التقرير إلى أنه “مع غياب القرار السياسي بمقاربة جدية للأزمة اللبنانية، فإنه غير المستبعد أن تتلاشى مؤسسات الدولة أكثر فأكثر والسقوط في دوامة مميتة تمتد لعقدين من الزمن، والذي سيشكّل عاملًا ضاغطًا على مئات الآلاف للرحيل عن وطنهم سعيا للاستثمار والعمل والدراسة والتقاعد.
ووفقًا لإحصائيات لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “الأسكوا”، تضاعفت نسبة الفقر في لبنان من ٢٨% عام ٢٠١٩ إلى ٥٥% حتى أيار\مايو ٢٠٢٠(يعني الآن على أقل تقدير ٧٥%)، كما ازدادت نسبة الفقر المدقع من ٨% إلى ٧٤% من سكان لبنان يعانون من الفقر والجوع..
لذلك سيصف التاريخ “العهد القوي” بلقب “عهد حقيبة السفر”..وتفريغ لبنان” من أدمغة أبنائه…
يحيى أحمد الكعكي