Site icon IMLebanon

الرئيس عون والشارع المُنتفِض!

 

تأجّجت الحركة الاحتجاجية مجدداً في لبنان بعد المقابلة التلفزيونية التي أجراها رئيس الجمهورية ليل الثلاثاء الواقع فيه ١٢ تشرين الثاني، وطالب خلالها المحتجّين بالعودة إلى منازلهم قائلاً إن مطالبهم قد سُمعت ومحذراً من «نكبة» إذا ظلوا في الشوارع.

 

وجاء كلام الرئيس بعد أكثر من أسبوعين على استقالة الحكومة، وهو الذي أّجّل الدعوة الى الاستشارات النيابيّة الملزمة المنصوص عليها في الدستور، والتي يجري بموجبها تكليف رئيس وزراء جديد، بهدف استكمال ما وصفها في وقتً سابق بـ «الاتصالات الضرورية» لتأمين توافق على الحكومة المرتقبة. وهو ضرب موعداً مبدئياً الخميس أو الجمعة، على أن تكون الاستشارات يوم السبت المقبل على أبعد تقدير، لكنه ترك الاحتمالات مفتوحة على مزيد من التأجيل إلى حين تذليل بعض العقبات، وقال إن «تحديد موعد الاستشارات النيابية يرتكز على بعض الأجوبة التي ننتظرها من المعنيين، وإذا لم تصلنا الإجابات سننتظر أياما قليلة أخرى»، وعن تأخير موعد الاستشارات النيابية قال إن «هناك حد أدنى من النقاط التي يجب بحثها».

 

مجدّدا نُلفت عناية رئيس الجمهورية، ان محاولة إنضاج التشكيلة الحكوميّة قبل التكليف هو أمر منافٍ للأحكام الدستورية التي نصّت في آليّة واضحة على وجوب التكليف قبل التأليف. والتكليف من مهمة النواب عندما يستشيرهم رئيس الجمهورية من خلال استشارات نيابيّة ملزمة، يسمّي رئيس الجمهوريّة على ضوئها رئيس مجلس الوزراء المُكلّف. امّا التأليف فمن صلاحية رئيس الحكومة المكلّف الذي يجرى استشارات نيابيّة غير مُلزمة. وما يجري هو تعليق صارخ لموقع رئاسة مجلس الوزراء وانتقاص من صلاحية الرئيس المكلّف، ما يُمكن ان يؤدي الى اعطاء الاطراف السياسية مكتسبات لا يعطيها لهم الدستور، على حساب صلاحيات موقع رئاسة مجلس الوزراء، الذي هو ملك المواد الدستورية المحدّدة في الدستور التي جعلت من المقام قائماً.

 

وقال الرئيس إن مطالب اللبنانيين قد سُمعت، ولكن يبدو انّه لم يُنصت اليها، فهناك فرقٌ بين «السّمع» الذي يمثّل حاسة التقاط الصوت عفوياً بدون قصد المستمع، وبين «الإنصات» الذي يمثّل حالة التركيز وإلغاء الضوضاء عند الاستماع. ومرّة جديدة يُطالبه اللبنانيون، في ظلّ الظروف الحساسة والمعقدة التي تمرّ بها البلاد، الالتزام بتطبيق الدستور وتحديد موعد لبدء الاستشارات النيابيّة الملزمة بصورة عاجلة وفق الأصول الدستوريّة، لتكليف شخصية تقوم سريعاً بتأليف حكومة تتماشى مع تطلعات الشعب، على أن تنال ثقة الشعب قبل ثقة المجلس النيابي كي يُكتب لها النجاح.

 

وفي ختام اطلالته توجه الرئيس عون الى المحتجّين بالقول «[…] ليراجعوا تاريخي وليبقوا معي إذا اعجبهم، وإذا لا سأرحل أنا». وما هي الّا دقائق حتّى جاء ردّ الشارع الذي عبّر عن استيائه الشديد من خلال الدعوة الى الاضراب المفتوح وقطع الطرقات واشعال الدواليب. كما عبّر البعض عن رأيهم في تاريخ فخامة الرئيس عبر استعادة عناوين الصّحف التي صدرت خلال «حرب التحرير» وتناولت الدّمار الذي أصاب لبنان وعاصمته بسبب تلك الحرب التي يُقال إن قائد الجيش آنذاك العماد ميشال عون أشعلها.

 

في خلاصة المشهد الحالي المأزوم، عبّرت شريحة واسعة من اللبنانيين أن اطلالة فخامة الرئيس لم تكُن على قدر توقّعاتهم ولم يقدّم أي جديد على صعيد الأزمة المتفاقمة، واعتبرت أن كلامه لم يحاكِ الشارع المُنتفض. كما اكّدت أن الخروج من الأزمة الراهنة يكون عبر الاستجابة لمطالب الناس واستيعاب حركة الشارع، الأمر الذي يؤدي الى امتصاص النقمة الشعبيّة التي تشهد تصاعداً في حدّة وتيرتها.