Site icon IMLebanon

لملمة من الرئيس برّي للإستقالة.. الإستفتاء

 

بصرف النظر عن موضوع العودة أو البقاء إلى حين في وطنه الثاني وبيته الأول حيث العائلة والأبناء والذكريات الخالية من المرارة على نحو ما هي ذكريات الوطن الأول لبنان، فإن الخطوة التي إتخذها الرئيس سعد الدين الحريري، كانت في بعض جوانبها بمثابة إستفتاء على شأنه السياسي وعلى أهمية ترؤسه للحكومة، كما جاءت تحسم مسألة الإنسجام المفقود في النظرة إلى واقع الحال اللبناني.

وما فعله سعد الحريري كان يحتاجه الوطن أكثر، أو بنسبة ما يحتاجه شخص الرئيس الذي عندما قرر الإستقالة فإنه لم يختر إعلانها من الرياض وعبْر وسيلة إعلامية سعودية إلاّ لأنه إرتأى عدم تحويل الإستقالة إلى حراك شعبي يستهدف رفْض الخطوة وحراكات سياسية متعددة الأهواء والمشارب يسعى القائمون بها إلى تطييب خاطر الرئيس والتمني عليه من أجل لبنان ومن أجل الطائفة التريث وطي صفحة الإستقالة ببيان من النوع نفسه، وبذلك تتكرر واقعة التنحي الشهيرة التي حدثت في مصر وكيف أن الرئيس جمال عبد الناصر بعدما أذاع بنفسه عبْر التلفزيون المصري مساء يوم 9 حزيران 1967 قراره بالتنحي علاجاً شخصياً لهزيمة الخامس من حزيران، ثم عاد عن قراره في اليوم التالي بعدما إمتلأت شوارع القاهرة وسائر المدن المصرية بالألوف من المواطنين رافضي إستقالة الرئيس الذي واصل بعد ذلك العمل والسعي من أجْل إعادة بناء القوات المسلحة التي باتت عند رحيله المفاجىء يوم 28 أيلول 1970 عن 52 سنة في الوضع الذي يؤهلها لخوض المعركة التي تمت بنجاح يوم السادس من تشرين الأول 1973 بقيادة الرئيس الوارث أنور السادات .

إستناداً إلى ردود الفعل على قرار الإستقالة يجوز القول إن الخطوة حققت نصف المبتغى منها. فالصدمة والإرتباك والمسارعة إلى التباحث في الإحتمالات فضلاً عن التصريحات الغاضب بعضها والخجول المرتبِك بعضها الآخر، كانت كلها مجتمعة تؤكد أنه لولا حدوثها لكان الوضع في لبنان سيشهد المزيد من التعقيد وسيترسخ تبعاً لذلك الأمر الواقع الذي بسبب الممارسات والتصريحات التي تتزايد حدة جعل دول الخليج تتحسب إلى ما لا تريده للبنان وهو أن يتحول من شقيق يحظى بكل أنواع الإهتمام والرعاية والمساندة إلى منصة تستهدف ما ليس خيراً لهذه الدول. وعندما يرفع المُمسِك بالملف اللبناني وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان صاحب التغريدات الصاروخية مستوى الموقف إلى الدرجة الأعلى ويقول هذه المرة عبْر فضائية «العربية» التي مِن على شاشتها أعلن سعد الحريري إستقالته، وبعدما كان الملك سلمان إستقبل الرئيس المستقيل وعرض معه الأوضاع في لبنان… إن الوزير السبهان عندما يقول ذلك وفي اليوم الذي أدى فيه السفير الجديد لدى لبنان وليد اليعقوب اليمين الدستورية أمام الملك «إن المملكة تعتبر عدوان حزب الله على أمنها إعلان حرب على السعودية من قِبَل لبنان، فالحزب الممثَّل في الحكومة اللبنانية أصبح أداة قتْل ودمار للمملكة وهو يشارك في كل العمليات الإرهابية في المملكة وفي إطلاق الصواريخ من اليمن. ومن هنا على الحكومة اللبنانية أن تعي مخاطر ذلك»، فهذا مؤشر إلى أحد إحتماليْن: إما أن الذي يعنيهم أمر الإستقالة والكلام السبهاني بجديده بعد قديمه وإستباقاً لما سيقال لاحقاً، سيأخذون الأمر بمسؤولية وطنية وبذلك يعود سعد الحريري عن الإستقالة التي لم تُقدَّم لكي تُقبل أو تُرفض. وإما أن التحدي سيبقى على ما كان وما زال عليه قبْل جرس التنبيه الحريري الذي تبعه جرس التحذير السعودي بمفردات غير مسبوقة في تاريخ العلاقة التاريخية بين لبنان والسعودية.

هنا نجد أنفسنا نستحضر الخطوة المأمولة من الرئيس نبيه بري الذي في إستطاعته إستنباط معادلة تضع الأمور على مسار التهدئة وذلك بأن يكون البرلمان هو ساحة السجالات لمَن يهوى المساجلة وقول ما يريد أو يراد له قوله، وإعادة تدوير الحكومة بحيث تكون حكومة في منأى عن الصراع السياسي، تُمثِّل اللبنانيين كمجتمع واحد وليسوا أطرافاً حزبية ومتصارعة. على الأقل يتم ذلك لمرحلة تستغرق سنتيْن يتفادى فيها لبنان فراغ الحكومة الطبيعية بعد الفراغ الأول.. فراغ الرئاسة الأولى التي كان الفراغ بمثابة الحاضنة لما وصلْنا إليه.

وإستناداً إلى نوايا أبو مصطفى الذي ما زالت الشرايين العروبية على حيويتها في رؤاه. نتوقع مبادرة من الرئيس بري كفيلة في حال الأخذ بها بإقتناع السيد حسن بأن لبنان بكل أطيافه وطوائفه في أشد الحاجة إلى كتابة العلاقات في صفحة جديدة دفعة واحدة أو تكون الكتابة فقرة تلو فقرة. والله الهادي إلى ما يريده خيراً لعباده.