وعلى غرار شقيقاتها العقيمات، كانت الجلسة النيابية التاسعة والعشرون لانتخاب رئيس عظيم لجمهورية لبنان العظيم، والذريعة هذه المرة أن هذا الإنتخاب أصبح الآن معلّقاً على خشبة قيامة سوريا، ولا يزال نقاش فلاسفة اليونان وآراء أهل المدينة الفاضلة يتمحور حول الرئيس القوي والرئيس الضعيف، والرئيس الذي يخرج من رحِمِ الشعب، والذي يخرج من رحِم العوانس.
العماد ميشال عون حسَمَها في احتفال تسليم الوزير جبران باسيل زمام قيادة التيار الوطني الحر، فأطلق وعداً لمحازبيه «بأنه سيكون لكم رئيس من رَحِم معاناتكم».
ووعد العماد عون هو أيضاً وعدٌ «إلهي»، فإذا لم يكن انتخاب الرئيس متوافقاً مع هذا الوعد، يكون الله جلَّ جلاله هو الذي لا يريد انتخاب رئيس لجمهورية لبنان.
وفي المهرجان نفسه لتطويب الوزير باسيل والذي أضيئت فيه الشموع سجوداً، أعلن العماد عون «لا يهوّل علينا أحدٌ ويخيّرنا بين الفوضى والرئيس الدُمْية، فلتكن الفوضى».
نعم… الفوضى ولا الرئيس الدُمْية، الفوضى… ولا الذِلَّة…
ونذْكُرُ ويذكرون، أنه عندما كان الخيار بين الفوضى ومخايل الضاهر سنة 1988، وقع الخيار على الفوضى، ولا نظنّ أن الشيخ مخايل الضاهر كان دُمْيةً آنذاك.
ولكن بفضل مآثر البطولة والزنود المفتولة انتصب أمامنا هذا العام نُصُبٌ تذكاري حَفَرتْ عليه رابطة سيدة «إيليج» أسماء خمسمئة شهيد سقطوا في الصراع الماروني الدامي بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع ما بين سنتي 1989 – 1990 بالإضافة الى آلافٍ من الشهداء الأبرياء والبلدات والمؤسسات المارونية التي أصابها التهديم والتدمير والتهشيم والتهجير.
والمفارقة الشديدة الألم هي تلك التي أشار إليها رئيس رابطة سيدة «إيليج» كلوفيس شويفاتي حين أعلن في كلمته التذكارية أنَّ في هذا الصراع الدامي ضد الرئيس الدمية: «كان هناك إخوة شهداء من بيت واحد، منهم من كان من الجيش ومنهم من كان من القوات اللبنانية، سقطوا ضحايا تبادل القصف المدفعي والخنادق المتواجهة…»
ولعلّ الخطر الأكبر، هو أن المرشحين الأقوياء من غير جماعة الدُمى.. أصبح كل واحد منهم كأنه أقنوم من ثلاثة:»الله… لبنان… «فُلان»… وبَسْ».
وهذه الـ «بَسْ» بالعامية تعني باللغة اللاّهوتية الفصحى: أنَّ هذا «الفلان» هو الواحد الأحد، والفرد الصمد، والذي لم يكن له كفؤاً أحد.
أَلاَ.. فلتسقط جمهوريات الدُمى، وعاش: الله، ولبنان، وفُلان، «وبَسْ».