ستعبر اليوم الحلقة السادسة من مسلسل جلسات انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية، ولن يولد «الرئيس التوافقي» لاستحالة الوصول الى هذا الانجاز في ظل الستاتيكو القائم. فهو وإن بقي البوابة الإجبارية الى إنهاء مرحلة خلو سدة الرئاسة من شاغلها، فإنّ مهمة «رجال الإنقاذ» ستكون صعبة فهو ما زال تحت ركام الاكثريات المتنقلة والمهددة بالتفكك. وعليه، كيف يمكن تفسير هذه المعادلة؟
إلتقت مراجع ديبلوماسية وسياسية عربية وغربية على القول انّ من اصعب المهمات التي أوحت بها الجهود المبذولة إمكان التوصّل بسهولة الى إنتاج «الرئيس التوافقي» للجمهورية. وهو أمر له اكثر من تفسير ومبرر لا يصعب تفسيره. فليس صحيحاً في مكان ما، القول انّ الاستحقاق الرئاسي مُهمل في الأوساط الديبلوماسية العربية والغربية، فحركة المشاورات قائمة في الكواليس ولا تبشّر بما يوحي انّ أياً من المحاور الكبرى قادر على حسم الملف الرئاسي بما يُلبّي رغباته وتمنياته ولو نوى بعضهم توفير الاستقرار المطلوب في لبنان ومنع تحوّله بؤرة تُصدّر المتاعب الى محيطه القريب والبعيد.
وتعترف هذه المراجع أنه على رغم من حجم السباق الى حسم المواجهة على الساحة اللبنانية بما يخدم هذا المحور أو ذاك، فليس كل ما يسعى اليه البعض ينتظر ان يجني ارباحا كبيرة لمحوره إن سجّل «انتصارا رئاسيا» في لبنان. ففي بعض المساعي المبذولة غيرة حقيقية على لبنان وسَعي الى توفير ما يؤدي الى تعزيز أمنه واستقراره واستعادة العافية الاقتصادية التي افتقدها واحياء الثقة بإمكان قيام الدولة ومؤسساتها بالأدوار الطبيعية المطلوبة من اي دولة توفّر الحد الادنى مما هو مطلوب لمواطنيها والمقيمين على أراضيها، كما بالنسبة الى اعادة بناء الثقة مع العالمين العربي والغربي.
على هذه الخلفيات، تكثفت الجهود الديبلوماسية في الأيام القليلة الماضية في اكثر من اتجاه، وان بقي معظم ما هو مطروح من اقتراحات، فإنّ ما بدأ يظهر ان هناك مسعى اوروبيا ـ اميركيا وخليجيا تقوده باريس وواشنطن والرياض من أجل صيغة توفّر الأجواء لانتخاب الرئيس المنتظر للجمهورية. وهو ليس مطلبا خليجيا وغربيا فحسب، إنما هو مطلب أممي. فالمسؤوليات المُلقاة على عاتق المؤسسات الأممية العاملة على الساحة اللبنانية في خدمة النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين واللبنانيين الذين باتوا تحت خط الفقر، قد أبلغوا حكومات الدول ومعها المؤسسات المانحة انّ ما هو متوقع في وقت قريب خطير جداً.
والى هذه المعطيات التي تسرّبت ما يوحي بإمكان ترجمتها خطوات سلبية اقلها خفض نسبة المعونات التي يحظى بها المقيمون على الأراضي اللبنانية قد تتراجع الى النصف بدءاً من مطلع السنة المقبل ما لم تستعيد الدولة اللبنانية ومؤسساتها ابسط الأدوار المطلوبة منها، ليس في إدارة الأزمات المتناسلة التي توالدت وشملت مختلف اوجه حياة اللبنانيين فحسب، بل انها باتت تهدد وجودها متى تلاشت قدرتها على القيام بأدوارها لتقدّم ما هو مطلوب منها من خدمات. وفي حال وصول بعض السيناريوهات الى خواتيمها النهائية، فإنّ حالة من الفوضى والبلبلة يصعب استيعابها وتطويقها بسهولة وإنهاء مفاعيلها على أمن البلاد واستقرارها، خصوصا ان جاءت نتيجة طبيعية للانهيار الاقتصادي والنقدي بطريقة يصعب على ايّ كان من الاجهزة الامنية والقوى الحزبية ضَبطه. وهو امر قد يكون متوقعا في وقت قريب ان لم يتم وضع حد سريع يلجم التدهور المعيشي وفقدان مقومات الحياة في لبنان، وتحديدا في المجتمعات المضيفة للنازحين وتلك المهمشة.
وبناء على ما تقدّم تضيف المراجع السياسية والديبلوماسية ان حصيلة المشاورات الجارية في الكواليس الديبلوماسية بما لها من امتدادات شهدتها بعض العواصم المعنية وما شهدته قمة العشرين في بالي ـ اندونيسيا من مشاورات تناولت الملف اللبناني من مختلف جوانبه. فإنّ هناك قمماً أخرى على الطريق وأقربها القمة الاميركية ـ الفرنسية مطلع الشهر المقبل. ولذلك فإنّ انتظار ما يمكن ان تؤدي اليه لا بد ان يكون مرتبطا بما يمكن ان تترجمه على الساحة اللبنانية، فصعوبة بناء التحالفات الكبرى تبعد المخارج المطلوبة ما لم تنجح المساعي لنقل بعض القوى السياسية والحزبية من محور الى آخر مع ما تحمله مثل هذه الخطوات من مفاجآت قد تكون صادمة.
وفي المعلومات القليلة الواردة من كواليس بعض الاجتماعات، خصوصاً تلك التي تواكب المساعي الفرنسية ـ السعودية ـ الأميركية المشتركة، فإنّ أصداء هذه الاجتماعات أوحَت بانتقال بعض القوى السياسية من ضفة الى أخرى بطريقة ما، وإن إستدعت ان تتخذ شكلا دراماتيكيا يُحيي في الذاكرة التسويات السابقة التي فاجأت اللبنانيين في اكثر من مرحلة وأبرزها تلك التي عقدت قبل ست سنوات ولم تصمد طويلا.
وفي الاقتراحات المتداولة، ما اطلع عليه مسؤولون حزبيون التقوا قبل فترة ديبلوماسيا سَألوه عن إمكان تفكيك بعض المجموعات بطريقة تبدّل في المشهدية الانتخابية المقفلة على أي خرق ممكن حتى اليوم تسهيلاً لما تقول به آلية انتخاب الرئيس بمعاييرها النسبية. مع الحرص على الطريقة التي تضمن تطبيق الدستور عند انتخاب الرئيس وإعطاء الأولوية لتأمين الأكثرية المطلقة اي بنسبة النصف زائدا واحدا بشكل مضمون، تمهيداً للانتقال الى مرحلة توفير معادلة الثلثين. وهو سيناريو يقتضي تفتيت بعض الكتل النيابية، وبناء أخرى على قواعد جديدة في شكلها ومضمونها واهدافها، فالأكثريات المتغيّرة والمتقلبة التي اختبرت في انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه وصولاً الى انتخاب رؤساء اللجان ومقرريها أعطت نموذجاً لما هو مطلوب.
ومهما قيل في ردات الفعل الأولى على هذه الطروحات، وان بقيت مكبوتة تجاه ما مطلوب من تحالفات جديدة بدأت مظاهر المخطط تتجلّى بمظاهرها الأولية المتواضعة.
فمن بين التكتلات ما هو هَش اصلاً ولم يعد ممكنا ترميمها واعادة تجميع اعضائها، ومن بينها من ينتظر الوقت المناسب لتشهد التقلبات المُحتملة وقد دلّت بوادرها الى حساب الأوراق البيض، وقد لا ينجو منها سوى «الثنائي الشيعي» الذي عليه ان يلاقي هذا المخطط بما لديه من قدرات بخطوات وصفت بأنها «جريئة».
وختمت هذه المراجع لتقول: لا سبيل للتوصل الى الرئيس «التوافقي – المنقذ» سوى البحث بين ركام الكتل النيابية والاكثريات المُشتتة لتوفير المولود الجديد، مع العلم ان التجارب السابقة دلت الى انّ بعضاً ممّن حلم بالرئاسة نام ليلة الانتخاب رئيسا واستيقظَ على واقع آخر، وهنا تكمن اهمية الاقتراح الأخير بما يحمله من «غموض بنّاء» توليداً لِمن سيفوز في السباق الى قصر بعبدا. فاللائحة باتت صغيرة جداً، ومن قال انه لا يمكن ان تحمل كثيراً من المفاجآت؟