قبل القمة العربية، التي وضعت توجهاً حاسماً، لوضع حدّ للصراعات بين العرب دولاً، وبين الدول شعوباً ومجموعات وطوائف أو إتنيات، كان ثمة رهان لبناني، أقله مضمر، إن لم يكن معلناً، يفيد بأن البلد المنهك، والواقع تحت ضغط واحد من أسوأ الأزمات، ليس بإمكانه أن يستعيد عملية التعافي خارج، قوة دفع خارجية، أو على الأقل عربية، في ظل، عضوية 3 دول من دول الجامعة العربية، هي: المملكة العربية السعودية، ومصر، وقطر في اللجنة الخماسية الدولية الى جانب فرنسا والولايات المتحدة، لإيجاد السبيل اللازم لإنهاء أزمة العجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وبعد القمة العربية، التي حملت عنوان قمة الرياض للتعاون والتنمية، والتي عقدت في مدينة الرياض، جاءت قمة جدة التي كرَّست هذا التوجه، لجهة ربط التنمية بالأمن والاستقرار، لتأمين العيش بسلام كحق من الحقوق الطبيعية للإنسان العربي، بقي السؤال نفسه؛ متى ينتخب رئيس للبنان، وهل ثمة خارطة طريق عربية لإنجاز هذا الإستحقاق أو هل يتعدى الأمر شهر حزيران المقبل، ومن هو الرئيس المقبل؟
والاسئلة على هذا النحو تتناسل، بصورة من شأنها أن تجعل من المشهد قاتماً، أو محافظاً على قناعته، تشبه قتامة المسؤولين عما آلت اليه الأوضاع.
في المعطيات، وضعت القمة قاعدة عامة للتعامل مع الأوضاع العربية، وتقضي بـ «حماية سيادة دولنا وتماسك مؤسساتها، والمحافظة على منجزاتها، وتحقيق المزيد من الارتقاء بالعمل العربي…».
ومن هذه الزاوية، يمكن فهم الطريقة العربية الجديدة في التعاطي مع الوضع اللبناني، لجهة «تماسك المؤسسات»، لجهة ملء الفراغ في الرئاسة الاولى، فلا يمكن الكلام عن مؤسسات او تماسكها، خارج انتخاب الرئيس، ضمن شرط بدهي ان «يرضي طموحات اللبنانيين»، وهذه العبارة، الفضفاضة، على ما تحمله في طياتها من رغبة في طي صفحة، وفتح صفحة في الحياة السياسية اللبنانية، بقيت حمَّالة أوجه، لجهة تحديد الطموحات التي تُرضي المواطن اللبناني، وليس الطبقة السياسية اللبنانية، التي يتحمل بعضها مسؤولية مباشرة عما آلت اليه الأوضاع…
ربطت القمة بين انتخاب الرئيس، وسلسلة الخطوات الأخرى المطلوبة، للخروج من الازمة، اذ لا خروج من الازمة بدون انتخاب الرئيس، كمقدمة اولى «لانتظام عمل المؤسسات الدستورية»، بمعنى تأليف حكومة جديدة، تمثل طموحات اللبنانيين، سواء لجهة رئيسها او الوزراء او البرنامج، أو آلية التعاون بين المؤسسات الدستورية لا سيما مجلس النواب، والتعاون مع مجموعة الدعم الدولية التي تضم القوى الدولية الكبرى، والدول العربية واسعة التأثير والنفوذ، باتجاه تحقيق الاصلاحات المطلوبة، بدءاً من اقرار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ووضع البرامج والقوانين على الطريق الصحيح.. كقوانين الكابيتال كونترو، واستعادة الأموال المنهوبة، والدمج المصرفي الخ… ربطاً بخطة التعافي الاقتصادي..
على ان المهم، ما الدور العربي في وضع هذه الخارطة موضع التنفيذ؟
حسب المعلومات المتوافرة، لم يُبلَّغ الجانب اللبناني بأي توجه عملي، على هذا الصعيد، باعتبار ان فترة سماح قصيرة، تُركت للقوى اللبنانية للتفاهم على كيفية التوافق عبر الحوار، او التحاور، لوضع صيغة تسمح بالتوجه الى المجلس بمرشحين او ثلاثة او اكثر للاقتراع، وفقا لنصوص الدستور، والأعراف الضامنة للوصول الى نتائج عملية.
وما يجري من اتصالات، لا يبدو الرهان عليها ممكناً، تدور في اتجاهين: الاول: الدعوة الى جلسة انتخاب، يوجهها رئيس المجلس، والثاني: التفاهم على آلية تنفيذية، سواء عبر الاتفاق على مرشح مسيحي آخر، بوجه فرنجية (النائب السابق سليمان فرنجية) او يكون بديلاً لمرشحين، اذا ما تبين ان المسألة غير ممكنة، دون توافق نيابي واسع، يتخطى ما هو مطروح، لجهة الـ86 نائباً للنصاب او 43 نائباً لتعطيله..
حسب المعلومات المتوافرة (خارج ما هو متداول) ان الرئيس نبيه بري، لا ينتظر اتفاق «القوات اللبنانية» والتيار الوطني الحر لتسمية مرشح مناهض لمرشح الثنائي الشيعي، وقوى 8 آذار من الحلفاء، بل إشارة من القوى العربية المعنية مباشرة بإنهاء الشغور، لا سيما من الدولة المترئسة حالياً للقمة، اي المملكة العربية السعودية، التي تتولى دوراً توفيقياً انطلاقاً من التوجهات المعمول بها في القمة، للمرحلة العربية المقبلة..
والتعويل، حسب هذه المعلومات، هو الضبط على ما اتفق عليه، او يمكن ان يتفق عليه العرب المعنيون، لا سيما المملكة العربية السعودية وسوريا ومصر ودول اخرى، بدعم أوروبي، وربما اميركي دولي للاتفاق على اسم الرئيس العتيد اذا ما دنت ساعة الحسم.
وهكذا، فإن فترة سماح قصيرة بقيت في عهدة اللبنانيين، تحت عنوان التحاور، لكن هذه الفترة، ستنتهي حتماً في لحظة وانضاج التفاهم «العربي- الدولي» على الرئيس، سواء أكان فرنجية، أو جوزاف عون، أو غيرهما من الشخصيات، نظراً للحاجة الملحَّة، لبدء عملية التعافي، قبل مواسم الصيف الملتهبة أو الدافئة؟!