إذا كانت الانتخابات النيابية عامي 2005 و2009 قد جرت بين فريقي 8 و14 آذار على أساس مبادئ، فهل يعقل ألا تجرى الانتخابات الرئاسية، وهي مهمة، على غير ذلك، فيكون لكل مرشح للرئاسة برنامج معلن يلتزمه كي يقارن النواب بين برنامج وآخر عندما يقترعون لهذا المرشح أو ذاك؟
إن حصر الترشيح للرئاسة بقوى 8 آذار، أي بين عون وفرنجيه، معناه إما أن يكونا قد تخليا عن مبادئ هذه القوى وخطها السياسي، وإما أن يكون بعض قوى 14 آذار قد تخلوا عن مبادئهم وعن خطهم السياسي الداعي الى إقامة دولة قوية لا دولة سواها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها ولا هيمنة سورية أو غير سورية عليها مباشرة أو غير مباشرة.
الواقع أن لا المرشح فرنجيه أعلن عن برنامجه ولا العماد عون لمعرفة موقفهما من إقامة مثل هذه الدولة ومن السلاح خارجها، وهو سلاح يتدخل يحيث يشاء ومتى يشاء بقرار منه ومن دون علم الدولة، وأن تكون العلاقات بين لبنان وكل دولة علاقات مصالح متبادلة واحترام متبادل لا انحياز فيها لدولة من دون أخرى.
لقد رفع العماد عون شعار “التغيير والاصلاح”، لكن أحداً لا يعرف كيف يتم التغيير والاصلاح توصلاً الى اقامة “الجمهورية الفاضلة” في لبنان التي تستطيع تطبيق القوانين على الجميع بالعدالة والمساواة وتشعرهم بالأمن والأمان وتقيم علاقات حسن جوار مع كل دولة وعلاقات مصالح متبادلة واحترام متبادل، مع العلم أن العماد عون وقّع “ورقة تفاهم” مع “حزب الله” وورقة “اعلان نيات” مع “القوات اللبنانية”، وبين الورقتين بنود تتعارض بمعناها مع أخرى خصوصاً بالنسبة الى السلاح خارج الدولة وتدخّل هذا السلاح في شؤون دولة أخرى، ما يفسح لهذه الدولة مجال التدخل في شؤون لبنان. أما المرشح النائب سليمان فرنجيه فهو معروف بصداقته المثبتة والثابتة بالرئيس بشار الأسد وبتأييده لسوريا تأييداً مطلقاً الى حد أنه أعلن غير مرة أنه يفعل ما يقوله له الرئيس الأسد… ولم يعلن بعد رسمياً ترشيحه سوى القول إنه مستعد للذهاب الى منتصف الطريق لملاقاة الطرف الآخر أي قوى 14 آذار المناهضة لسياسة الانحياز الى سوريا ولسياسة الرئيس الأسد وتدعو الى رحيله وجعل سلاح “حزب الله” في اتجاه اسرائيل فقط. فكيف لقوى 14 آذار أن تطمئن إذا ما انتخب النائب فرنجيه رئيساً للجمهورية وهو على مثل هذه العلاقة الوطيدة والحميمة مع سوريا ورئيسها الأسد ما دام هو الحاكم فيها؟ أفلا تصبح سوريا مرة أخرى وصية على لبنان بالوكالة أو بصورة غير مباشرة إلا إذا كانت الكلمة أصبحت لروسيا فيها وليس حتى لإيران، وكيف يكون مصير علاقات لبنان مع دول عربية مثل السعودية عندما ينتهج لبنان سياسة الانحياز الى محور ضد آخر، وأي استقرار سياسي وأمني واقتصادي يكون فيه عندما ينتهج هذه السياسة؟ والشيء نفسه ينطبق على العماد عون الذي يغطي سياسة “حزب الله” في كل مكان إلا إذا غيّر هذه السياسة من أجل الرئاسة؟
لذلك فإن السؤال المطروح هو: ما العمل لانتخاب رئيس للجمهورية يستطيع تحصين لبنان بإدارة التوازنات الداخلية بحنكة وحكمة لأن حصول أي خلل فيها يفجّر غالباً أزمات يصعب على اللبنانيين وحدهم حلها وهو ما أثبتته التجارب… رئيس يستطيع تحصين لبنان بعلاقاته الوكيدة مع كل الدول القريبة والبعيدة، ولتمكينه من تحقيق ذلك ينبغي انتخاب رئيس يلتزم سياسة تحييد لبنان عن كل صراعات المحاور ويكون صديقاً للجميع وليس عدواً لأحد، وأن ينفّذ ما تبقى من اتفاق الطائف ويتم تفسير ما التبس في بعض المواد الدستورية بعدما ظهر في تطبيقها غموض والتباس… رئيس يجسد فعلاً الوحدة الوطنية ويكون رمزاً لها فيطبق اللامركزية الإدارية التي نصّ عليها الطائف للتخفيف من حمولة السلطة المركزية والحد من الصراعات السياسية والمذهبية على هذه السلطة. عندها يمكن القول إن 8 و14 آذار التقيا في منتصف الطريق باعتماد سياسية “لا شرق ولا غرب”، أي الحياد والوقوف فقط مع الإجماع العربي عندما يتحقق.
إن القوى السياسية الأساسية في البلاد مدعوة الى الاتفاق على أي لبنان تريد، لبنان الحياد أم لبنان الانحياز كي يسهل الاتفاق على انتخاب رئيس موثوق به يلتزم السياسة التي يتم الاتفاق عليها، خصوصاً أن سياسة لبنان الخارجية تتأثر بسياسته الداخلية وبالحرص على الوحدة الوطنية التي ينبغي أن يكون رئيس الجمهورية رمزاً لها. فهل يضع القادة في لبنان خلافاتهم جانباً حول اختيار شخص الرئيس والاتفاق على البرنامج الذي عليه التزامه لان انتخاب رئيس لا اتفاق على برنامجه أو بلا برنامج سوف يثير خلافاً عليه بعد انتخابه، وهذا الخلاف يولّد أزمات عند تشكيل الحكومات.