لم تكتفِ الانتخابات البلدية والاختيارية باعادة اللبنانيين الى تمرينهم على الديموقراطية والاختيار والاستحقاق الدوري في تداول السلطة ومواعيده القانونية فحسب، يقول الرئيس امين الجميّل، بل اخرجت الجميع تقريباً عن اطوارهم
في الانتخابات البلدية والاختيارية في بيروت وزحلة قبل اسبوع، وفي جبل لبنان قبل يومين، وربما في ما بعد ايضاً في محافظتي الشمال والجنوب، ثمة ما هو عصي على التفسير والتبرير والاقتناع.
يقول الرئيس امين الجميّل في اهمية الحدث انه «دينامية جديدة يقتضي الاستفادة منها وصحوة ديموقراطية». لكن الانتخابات البلدية والاختيارية ليست هذا فحسب: «لم يعد احد يعرف اين اصبح فيها؟ مَن هو حليفه ومَن هو خصمه؟». لا يستثني حزب الكتائب من دورة الدوخان هذه التي فرضتها انتخابات الجولتين المنصرمتين على الافرقاء جميعاً بلا استثناء.
يقول: «كانت برج بابل اكثر منها انتخابات. اختلط الحابل بالنابل. لم نعثر فيها على نقطة ارتكاز واحدة. لا هي انتخابات عائلات، ولا انتخابات احزاب، ولا تفاهمات. بل قل خليطاً من العناصر المتداخلة جعلت المواطن في حيرة من امره. الغت الانتخابات البلدية كذلك قوى 8 و14 آذار واربكت كل اسس الصراع السياسي الذي قام في البلاد منذ عام 2005. ليست وحدها المسؤولة لأن ثمة اسباباً اخرى ايضاً، الا انها كرّست فعلاً الغاء خطوط التماس بين 8 و14 آذار وانهت وجود الفريقين معاً. تحلّل كل طرف من التزامات التحالف وذهب الى خياراته ومصالحه: سعد الحريري يرشّح سليمان فرنجيه للرئاسة، فيرشّح سمير جعجع ميشال عون للرئاسة نفسها. القوات اللبنانية تقول انها مع انجاز السيادة بينما تترشّح مع حليف حزب الله الذي ينقض السيادة. ميشال عون ضد حليفه السابق سليمان فرنجيه، بينما الاثنان حليفان لحزب الله ومرشحاه لرئاسة الجمهورية. حركة امل تذهب الى جلسات انتخاب الرئيس فيما يقاطعها حليفها الرئيسي حزب الله. كل هذا ذهب بنا الى الانتخابات البلدية، فاذا حزب الكتائب حليف التيار الوطني الحر في جونيه، وفي مواجهته والقوات اللبنانية في غوسطا. القوات اللبنانية تترك حليفها دوري شمعون في دير القمر وتتحالف مع التيار الوطني الحر. ما يبعث على الاستغراب تحالف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. في بلدات هما حليفان، وفي اخرى وجهاً لوجه، وفي اماكن سواها مع عائلات وضد اخرى. كمّ هائل من التناقضات والهرطقات لا تفسير لها. لم افهم بعد مغزاه واهدافه: حول السيادة أم السلاح أم التعاون الانتخابي أم الحياد أم علاقاتنا بالخارج، وكيف يسعه وفق هذه كلها حماية مصالح المسيحيين كما يدّعي؟».
يضيف: «بالنسبة الينا كحزب، تحالفنا تقريباً مع الجميع تبعاً للمناطق واستطعنا ان نكون على امتداد الخارطة اللبنانية. كنا في زحلة وبيروت وبعلبك والجبل، وسنكون في القبيات في اقصى الشمال الى عين ابل في اقصى الجنوب ترشحاً او اقتراعاً. تحالفنا مع ميشال المر والقوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ وحزب الوطنيين الاحرار.
سقطت حجة الامن، لكن انتخاب الرئيس يسبق الانتخابات النيابية
خطأ تكتيكي ارتكبته القوات اللبنانية والعائلات الثلاث في اللائحة المقابلة في جونيه ادت الى تعثر المفاوضات، فإذا نحن حلفاء التيار الوطني. في سن الفيل وغوسطا كنا مع العائلات ضد الاحزاب الاخرى. انها عجائب الدهر التي احالت الانتخابات البلدية لا تركب على قوس قزح، عندما تجد فجأة الاحزاب كلها متحالفة في ما بينها كأن ثمّة ما لم يفرّق بين خياراتها السياسية والوطنية يوماً، هكذا انتخابات بيروت. يحجب المقترعون المسيحيون اصواتهم عن لائحة الاحزاب المسيحية في بيروت، ويمنحونها بكثافة في زحلة وكسروان والمتن. بعد ذاك كيف نطلب من الشعب ان يحترمنا كطبقة سياسية؟ مع ذلك كله فإن اهمية ما حدث ان الانتخابات البلدية والاختيارية انها عادت بالمواطن الى اقلام الاقتراع بحد كبير من الديموقراطية والحرية، كي لا يتأقلم مع ما يجري في الجوار، وبغية اعطائه حق الاختيار. وهذا في ذاته اختراق مهم للجدار الحصين الذي فرض عليه. فرضت الانتخابات البلدية واقعاً جديداً على الارض سيترك تداعياته على الانتخابات الرئاسية والنيابية».
هل تقود الانتخابات البلدية والاختيارية الى الانتخابات النيابية المعلقة منذ عام 2013؟
يقول الرئيس السابق للجمهورية: «هذا هو التساؤل. لم يعد الوضع الامني مانعاً وسقطت حجة عدم اجراء انتخابات نيابية بسببه. يبقى امران نتوقف عندهما: اولهما هل يجوز اجراء انتخابات نيابية قبل انتخاب رئيس للجمهورية والتي ستؤدي حتماً الى استقالة الحكومة الحالية. في غياب الرئيس مَن يجري الاستشارات النيابية الملزمة ومَن يكلف مَن سيؤلف الحكومة؟ عقبات غير قابلة للحل الا بانتخاب الرئيس بداية. ثانيها قانون الانتخاب الجديد الذي يتعذر الاتفاق عليه ما يعيدنا الى القانون الحالي النافذ منذ عام 2008، والذي ينقم عليه الافرقاء جميعاً في الظاهر في احسن الاحوال. هل يذهبون الى القانون الحالي؟ ليس بين يدي احد اجوبة بسيطة عن اسئلة غير بسيطة ان لم تكن معقدة».
اين يقف هو وحزب الكتائب بازاء هذا المأزق؟
يقول: «منذ البداية اعتبرنا عدم انتخاب رئيس اكبر هرطقة وجريمة في حق المؤسسات الدستورية التي هي اساس استمرار كيان لبنان. عندما نقول بالذهاب الى مناقشة قوانين الانتخاب والبحث في اجراء انتخابات نيابية عامة في غياب رئيس الجمهورية، فإننا بذلك نعلن إستغناءنا عن الرئاسة كمؤسسة ما ينسف تماماً كل ركائز النظام اللبناني وتقاليدنا الدستورية والديموقراطية. في اعتقادي ان الامر ابعد من طموحات سياسية وشخصية، الى ضرب النظام نفسه ووضعه على المحك. البعض يريد اعادة النظر فيه برمته في وقت نعي ما يحوط بنا في الجوار الاقليمي المتفجر، كما لو اننا في المرحلة الملائمة لاعادة النظر في نظامنا. وما دمنا على ابواب الاحتفال بمئوية اتفاق سايكس ــــ بيكو (ينظم «بيت المستقبل» في بكفيا مؤتمراً عنه الجمعة والسبت المقبلان) ألم نلاحظ ان انظمة سقطت وكيانات وحدود تتعرّض للتغيير والمحو، وكيانات اخرى وبائية واصوليات تبعث من حولنا؟ في ظني اننا اضعف من ان نصمد حيال ما يجتاح المنطقة من موجات عاتية كهذه. في بساطة، بفعل تجربتي الرئاسية التي خبرت صراعات اقليمية على ارضنا في الثمانينات، وكادت تودي بنا، اقول ان الخوف اليوم هو كياني اكثر منه سياسياً او نيابياً او بلدياً حتى».