Site icon IMLebanon

الشهيد الثاني للطائف

 

 

في اقتناعي أن لاتفاق الطائف شهيدين، «سقطا» في وقت واحد تقريباً، في مطلع التسعينات من القرن الماضي، أولهما الرئيس الشهيد رينيه معوض، والثاني («الشهيد» السياسي) حسين الحسيني، وقد دفع الاثنان الثمن الباهظ لنظرتهما الى تطبيق الطائف: كانا يلتقيان على ضرورة معالجة حكومة الجنرال ميشال عون بالحوار، وكانا يرفضان بقوة أن يكون الطائف، بسوء تطبيقه، مدخلاً لضرب الطيف المسيحي، أو أي طيف آخر. فكانت النتيجة أن معوض دفع حياته بعد أيامٍ من انتخابه رئيساً، وأن الحسيني دفع الثمن من «حياته» السياسية.

 

عرفت الرئيس السيد حسين الحسيني لبنانياً أصيلاً،  ودستورياً عريقاً، وذا إنسانية سمحاء، لا يؤمن بالعنف في المطلق، ولا يرى فيه أي حل للمشاكل، دمث الأخلاق، أنيس المعشر، مؤمناً بأن «حركة المحرومين» التي انبثقت من رحمها «حركة أمل» يجب ألا تحيد عن الخط الذي رسمه لها الإمام المغيّب السيد موسى الصدر فترأسها نحو سنتين قبل أن يتنحّى، والبعض يقول قبل أن يُنحّى، وهو روى لنا، ذات لقاء، أسباب ابتعاده، أو إبعاده، وهذا بحث ليس الآن مجاله.

 

جمعتنا صداقة عائلية وكانت حَرَمُه، تلك السيدة الفاضلة، فائقة اللطف والتهذيب واللياقة الاجتماعية ورعاية الناس بالنبل والإنسانية.

 

الكلام على السيد حسين الحسيني يطول، خصوصاً عن رحابة صدره، وقدرته على استيعاب الآخر، ومرونته في ترؤس وإدارة الجلسات النيابية، وحرصه على الكرامات، وهو الذي كان يردد «كرامة كل زميل من كرامتي، وكرامتي من كرامته». أما اجتهاداته القانونية والدستورية فتشهد عليها محاضر الجلسات.

 

وعلى سيرة المحاضر فلقد رفض أن ينشر تلك المتعلقة بمفاوضات الطائف التي انتهت بالاتفاق الشهير. وكان يؤكّد على مسمعي أنه يخشى من أن يؤدي نشرها الى «زعزعة الاستقرار» (…).

 

يرحل الرئيس حسين الحسيني طاوياً معه ليس فقط الكثير من الأسرار التي رافقت اتفاق الطائف وحسب، بل أيضاً بعض آخر معالم الزمن اللبناني الجميل والأصيل التي يتفلت ما تبقى منها عندنا، كذرات الرمل من قبضة اليد.

 

رحمات الله عليك أيها اللبناني الكبير وليغفر لك ولترجع روحك المطمئنة الى باريها لتدخل في جنته ولتدخل في عباده راضية مرضية.