لا تبحثوا عن زبائن في الجحيم
ـ ١ ـ
.. ينتظرون كيف سيلتقي بوتين وترامب؟ وعلى أي شيء سيتفقان، وهل ستعود أميركا الى مواقعها قبل مرحلة أوباما؟
ينتظرون استعادة «الألفة» مع كل التفاصيل المصاحبة لدمار العالم كما هندسته الحربان العالميتان، ولم يعد يستوعب ما يصاحب انهيار الأعمدة المؤسسة للدولة القومية/ ومنظومتها الواسعة من تقسيم العمل (صناعيا وزراعيا) إلى الصراعات على الحدود (السياسية والتراتبية من العالم الاول الى الثالث).
لهذا فإن الطائفية/ والعسكرتاريا/ والاقطاعية تستشرس، عكس المتوقع مع فوات زمانها، لأن العالم لم يألف بعد ما تفعله التطورات الكبرى، فالعالم الافتراضي لم يعد هامشيا، كما أن الموقع من العالم لم يعد ملك السلطات المحلية فقط.
وكما أن انتخاب الرئيس لم يحل مشكلة لبنان، ولا غزو السعودية لليمن ضمن تفوقها كإمبريالية محلية، ولا استحواذ الجيش على السلطة والثروة مع السلاح ضمن عبور الدولة «المحنطة» في مصر من أزماتها، ولا اتفاق روسيا وأميركا على سيناريو الحل السوري أدى الى حل الازمات.
إنها مجرد «هستيريا» ترتبط بزمن التغيير الذي لا يمكن قياسه بالمنطق أو القانون أو أي اتفاق مبني على قيم وأخلاق الحداثة التي أصبحت قديمة، ومتهالكة، وليس أمامها إلا التمسك بحميمية متوحشة مع كل ما هو فاسد ومافياوي وسلطوي ومتطرف.
وهنا لا حدود بين عالم أول ولا ثالث، غرب أو شرق، تابعين لامبرياليات العالم السعيد بحداثته، أو ضحايا يجرون أذيال العائدين الى الماضي..
كلهم الآن في رحاب «الماضي..» الذي أصبح جميلا فقط لأنه مضى.
ـ 2 ـ
هي قرون وسطى سياسية.
تسمع أخبار لقاءات الملوك والرؤساء الآن وعن مبادرات صلح، وحروب نرجسية، تصورات عن عالم كامل لم يعد موجودا إلا في كتب الاخبار القديمة، كيف يتصارعون بالكبرياء، ويفرضون الولاء، ويطلبون الإذعان.
تسمع أيضا ما يدور في الغرف المغلقة لأمراء الطوائف، ونجوم حروبها الاهلية، وكيف يتقاسمون الغنائم، (.. حروبهم الجسورة على الناس..)… وتحضر في الذاكرة خيالاتنا عن فترات ما قبل السياسة الحديثة، أو ما بعد انتهاء «الحاكم الاستثناء» ابن السلالات الحاكمة.
إنها لحظة العودة الى البدائية السياسية، ليس بمعناها التلقائي، ولكن بمنطق فرض القوة، واستثمار الخوف، وهذا ما يجعل انتصار اليمين في اوروبا وأميركا فاقدا للمعنى الديموقراطي، وأقرب الى «اللجوء غير المعلن» للرد على ما يمكن أن تلخصه فكرة «اللجوء المعلن..» عبر سنوات بدأت مع نزوح المطاردين من ديكتاتوريات الشرق، والباحثين عن فرص في دول سقطت ضحية عدم التكافؤ والعدالة العالمية وصولا الى عودة التراجيديات الكبرى كما تجسدها سوريا.
ـ 3 ـ
وإذا لم ندخل في زمرة اللاجئين فإننا سنستمر رهائن.
رهائن نظرة مملوكية للحكم تتصور أن الناس في مصر ملك الحاكم أو المجموعة الحاكمة… وهي غالبا تحكم بإحساس «الانتصار والغلبة في المعارك…» بغض النظر عن شكليات مثل «الصناديق والانتخابات والديموقراطية أو غيرها..» مشاعر المجموعة المملوكية الحاكمة تذهب باتجاه أن شرعيتها هي «حكم الغالب..»
وبالتالي فالعقد الاجتماعي بين السلطة والناس (أو العلاقة بينهما) تقوم على الترويض والاخضاع و «الغلبة..».
هذه هي العقلية الكامنة رغم كل الخطابات الحنونة والمهذبة والمتيمة عشقا بالشعب، وتعني إذا دققت فيها الذين سارعوا بالخضوع ودخلوا في إطار الترويض…. لكنّ الآخرين المتمردين أو الرافضين للاخضاع ـ وهم قلة مشاغبة ـ تحركهم أياد وأصابع خارجية.
بهذه العقلية يتجول المملوك (بما تعنيه من فكرة أنه ضحية أساسا.. لكنه نجا بالتحول الى الاجرام المنظم أو الشرعي..)… هذا التجول يجتاح ـ بمنطق التدبر ـ الأمان الذي تنتظره الناس بعد الكوارث، فالبقاء للأشرس والاكثر قدرة على تجميل مذابحه أو جعلها تزين ملاجئ اللاجئين أو معسكرات الرهائن.
وبهذه العقلية يتحرك المملوك الكامن في كل من يملك سلطة، مستلهما أصل هذه السلطة من سكان القصر العالي (فردا أو مجموعة…غالبة…) والمهم هنا أن الحكم يتحول على يد مؤسسات بنيت على الكتالوج الحديث لكنها عادت إلى أصلها المملوكي عبر ضربات من قبضة المملوكية…
دولة المماليك في ذاتها كانت لها إنجازات/لكنني أتحدث عن «نمط قديم» يعاد تدويره تحت الأشكال الأنيقة أو الحديثة (رأسمالية دولة/ ديموقراطية/ ليبرالية / سوق حر..)
إننا رهائن، تحكمنا مافيات مملوكية بالرعب واليأس…
الرعب دخل البيوت واليأس من جدوى هو المشروع الذي تراه في القاهرة وبيروت وسوريا وبامتداد تلك البقعة التي تجتمع عندها لعنات التاريخ الذي نعيشه… ولا نقرأ عنه.