Site icon IMLebanon

عون: باسيل يتعرّض لإغتيال سياسي

 

 

عند مدخل القصر الجمهوري، يتولى المعنيون في جهاز الاستقبال «تحصين» الزائر، قبل دخوله الى المكتب الرئاسي، فيجري تعقيم يديه وتزويده بالكمامة والقفازات. داخل المكتب، يجلس الرئيس ميشال عون على بُعد «مسافة آمنة» من ضيفه، ما يشجّعه لاحقاً على الطلب منه نزع الكمامة عن وجهه، لمقتضيات تحسين التواصل بالصوت والصورة.

علامات الارتياح تبدو واضحة على عون عقب إنجاز الخطة الاقتصادية المالية، وهذا ما تعكسه لغته السياسية كما لغة الجسد، لكنّ أهمية الخطة لا تمنعه من أن يستهلّ حديثه بالتوقّف عند آخر أرقام الإصابة بكورونا في العالم ومقارنتها بلبنان الذي نال شهادات تنويه دولية بالاستراتيجية التي اتّبعها في مواجهة هذا الوباء.

يؤكد الرئيس عون امام زواره انّ لقاء بعبدا أمس الأول كان ناجحاً، وحقّق الغرض منه وهو التشاور الوطني حول الخطة الانقاذية التي أقرّتها الحكومة، موضحاً انّ هذه الخطة قابلة للتعديل، حيث تقتضي الضرورة، وهي ستُنَاقش في مجلس النواب، «وبالتالي ليس صحيحاً ما رَوّجه بعض مُقاطعي اللقاء من انّ هدفه ليس سوى البَصم على الخطة وأنّ ما كتب قد كتب».

 

كلام جعجع

ويوضح عون انه لم يكن منزعجاً بتاتاً من الكلام الذي أدلى به رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع من على منبر القصر الجمهوري، لافتاً الى انه كرئيس للجمهورية يحترم حرية الرأي والتعبير، «وبالتالي نحن لدينا مقاربتنا للأمور وجعجع له مقاربته، وفي نهاية المطاف الرأي العام هو الذي يحكم».

 

ويضيف: «لم تكن لديّ أي حساسية حيال المواقف المعارضة للعهد التي أطلقها جعجع من القصر. وللعِلم، نحن في العائلة عندما نجتمع معاً ونتناقش حول أمور معينة، ينتقد أحدنا الآخر ونختلف في ما بيننا، لأنّ الاختلاف في وجهات النظر هو عامل صحي، شرط أن يبقى ضمن قواعد الاحترام المتبادل».

 

امّا الإجراءات الإصلاحية التي اقترح جعجع المباشرة بها حتى تكتسب الدولة صُدقية امام الداخل والخارج، فيوضح عون انّ العمل جار على تطبيقها تِباعاً، سواء في ما يتعلق منها بالمعابر غير الشرعية او الجمارك او الكهرباء، لافتاً الى انّ أوراقاً عدة قُدّمت خلال اجتماع رؤساء الكتل النيابية في بعبدا، «وبعضها يتضمن أفكاراً جيدة يمكن اعتمادها، إنما هناك ورقة واحدة اعتبر انها متكاملة ويمكن الأخذ بها بالكامل، لكنني لن أفصح عن اسم صاحبها».

 

ورداً على اتهامه باعتماد النظام الرئاسي في سلوكه، يستغرب عون هذا الاتهام الذي لا يستقيم مع الحقائق والوقائع، مشدداً على أنّ ما يفعله هو ملء الفراغ ليس إلّا، واستخدام صلاحيات مكرّسة في الدستور كان رؤساء الجمهورية السابقون لا يطبقونها.

 

ويتابع: على سبيل المثال، عندما قدّم الرئيس سعد الحريري استقالته، امتنع عن التعاون وتصريف الاعمال. وحين دعوتُ لانعقاد مجلس الدفاع الأعلى مرتين في تلك الفترة لمناقشة الوضع الامني ونمط التعامل مع الحراك، رفضَ الحريري ان يتجاوب مع الدعوة. فهل كان المطلوب مني أن أقف مكتوف اليدين او أن أتحمّل مسؤولياتي الوطنية والدستورية كما حصل؟

 

العلاقة بالحريري

وحول تفسيره لامتناع الحريري وآخرين عن حضور لقاء بعبدا، يرى عون انّ هذه المقاطعة تعكس انزعاج البعض من كون الأمور «ماشية» وتتقدّم الى الامام، لافتاً الى انّ العلاقة مقطوعة كلياً مع رئيس تيار المستقبل في هذه المرحلة «ولا توجد وساطة بيني وبينه، علماً انني كنت أنظر إلى سعد الحريري في اعتباره ابني، لكنه اختار ان يبتعد وهذا شأنه»، مُستشهداً في هذا الإطار بقصة الابن الضال الواردة في الإنجيل.

 

جنبلاط والأضرحة

أمّا اللقاء الذي جمعه إلى النائب السابق وليد جنبلاط قبل أيام، فيصفه عون بالايجابي والجيّد، آملاً في أن تكون له انعكاسات مريحة على الوضع في الجبل، ومشدداً على أنّ المهم بالنسبة إليه هو تحصين التعايش في الجبل وحمايته، وصولاً الى الفصل بين هذا التعايش وبين الاختلاف المشروع في السياسة.

 

ويضيف: أظنّ انه من المفيد جداً أن يتم تشييد نُصب تذكاري للضحايا الدروز والمسيحيين في كل قرية عانَت من أهوال الحرب، على أن تتم زيارة هذا الضريح من قبل أهالي القرية في كل عام، لتكريم الضحايا من الطائفتين واستخلاص العبَر لئلّا تتكرر المأساة.

 

صندوق النقد

وبالنسبة الى الشأن المالي والاقتصادي، يشير عون الى انّ التفاوض مع صندوق النقد الدولي ضروري لتعزيز فرَص الخروج من نفق الأزمة، «وربما سيكون علينا أن نتقبّل بعض الشروط القاسية التي قد يطرحها الصندوق مقابل مساهمته المالية، ليس لأنّ تلك الشروط مطروحة من الصندوق بل لأنها تخدم مصلحة الدولة اللبنانية وتدفعنا في اتجاه اتخاذ قرارات مؤجّلة».

 

ويتابع: «في الوقت نفسه، سنطرح على الصندوق والمجتمع الدولي مسألة الكلفة الباهظة المترتبة على لبنان جرّاء النزوح السوري الذي بلغت فاتورته علينا، حتى عام 2018، نحو 25 مليار دولار وفق أرقام دولية موثوقة، تضاف اليها الخسائر الناتجة عن توقّف الصادرات الصناعية عبر سوريا نتيجة الحرب، لتصبح الكلفة الإجمالية لخسارة لبنان نحو 43 مليار دولار ساهمت في تفاقم الازمة المالية الاقتصادية، وهذا الرقم يجب أن يُلحظ خلال البحث في الحصول على المساعدات التي يجب أن يكون جانب منها كناية عن عطل وضرر للبنان».

 

مصير لبنان

ويجزم عون بأنه، وعلى الرغم من كل الظروف الراهنة، سيسلّم لبنان في نهاية عهده أفضل ممّا استلمه. ويتابع: صحيح اننا نمرّ حالياً في مرحلة صعبة جداً، وأنّ اللبنانيين يتألمون كثيراً جرّاء تداعيات الازمة الاقتصادية المالية، الّا انني متفائل بأننا سنخرج شيئاً فشيئاً من الهاوية التي انزلقنا إليها، وبأنّ العد العكسي في اتجاه التعافي المتدرّج سينطلق بعد فترة، «وبالتأكيد، فإنّ الوضع سيكون أحسن بكثير مع حلول نهاية الولاية الرئاسية، حيث سنكون قد دخلنا في طور النقاهة بعد العملية الجراحية التي سنجريها لإنقاذ اقتصادنا الذي سيعتمد مستقبلاً بشكل أساسي على القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة».

 

هل يعني ذلك أنّ التمديد غير وارد لدى الجنرال؟

يؤكد عون انه لا يفكر بتاتاً بالتمديد او التجديد «وإنّ أيّاً من هذين الخيارين ليس وارداً لدي».

 

فاتورة التعطيل

وفي معرض تشريح اسباب الوصول إلى حافة الانهيار الشامل، يلفت عون الى انّ هناك قوى داخلية تَعمّدت فرملة مشاريع التيار الوطني الحر وعرقلتها، «منذ أن كنتُ رئيساً لتكتل التغيير والإصلاح، وذلك بهدف الحؤول دون تحقيق إنجازات تُحسب للتيار وتُسهّل وصولي الى رئاسة الجمهورية، فكان ان دفع الشعب اللبناني بمجمله ثمن هذه الحسابات».

 

ويستعرض عون نماذج من العرقلة لخطط التيار الحر في مجالي الكهرباء والنفط، منذ عام 2011، لافتاً الى انّ هناك جهات عدة تناوَبت على التعطيل وتَوزَّعَت الادوار، «بحيث التقت جميعها على عرقلتنا، وإن كانت تنتمي من حيث الاصطفاف السياسي الى مواقع متباينة»، مستشهداً في هذا السياق بتصريح أدلى به النائب أكرم شهيّب إلى صحيفة الشرق الأوسط قبل سنوات، أقرّ فيه علناً بأنّ فريقه تَعمّد فرملة خطة التيار الكهربائية لأسباب سياسية.

 

إغتيال جبران!

َويلفت عون الى انّ النائب جبران باسيل تعرّض ولا يزال إلى اغتيال سياسي ومعنوي مُمنهج، عبر إلقاء مسؤولية كل الازمات على عاتقه، «في حين أنه هو الذي أوجَد افضل الحلول لها قبل سنوات، خصوصاً على مستوى ملفّي الكهرباء واستخراج النفط، لكنهم تعمّدوا وضع العصي في دواليبها. ويكفي انّ جبران كشفَ كل حساباته المصرفية بشفافية تامة، الأمر الذي لم يفعله غيره ممّن يُوجّه اليه الاتهامات بالفساد، ونحن تحدّينا الجميع في الداخل والخارج بأن يجدوا دليلاً يُثبت تورّطنا في الفساد لكن عبثاً يحاولون، ولا احد يستطيع أن يغبّر علينا في هذا المجال».

 

ويشدد عون على أنّ المعركة التي تُخاض ضد الفساد لا تنطلق من دوافع وأغراض سياسية ولا ترمي الى الانتقام والتشفّي من أحد كما يروّج البعض، بل هي تعتمد حصراً على الحقائق التي يتوصّل اليها القضاء، كاشفاً انه خلال ترؤسه تكتل التغيير والإصلاح زارَه مراراً من يعرض عليه المشاركة في صفقات مشبوهة وقَبض الثمن على قاعدة انّ الكل في البلد يَتدبّر أمره فلماذا لا تفعل مثلهم؟ «فما كان منّي إلّا أن أسمَعت صاحب العرض الردّ المناسب».

 

دياب «شغّيل»

وعند سؤاله عن انطباعاته حول تجربة التعاون مع الرئيس حسان دياب حتى الآن، يجيب عون: التجربة ناجحة جداً، والرئيس دياب رصين وشَغّيل، يتحلى بالجدية المطلوبة في العمل، ويعرف كيف يُشغّل من معه مُستفيداً ربما من خبرته الأكاديمية في الجامعة الأميركية. ويمكنني ان أقول انّ عمل هذه الحكومة خلال اشهر قليلة من عمرها يُعادل بل يفوق كل ما أنجزته الحكومتان السابقتان خلال ثلاث سنوات، وانا مرتاح الى أداء حكومة التكنوقراط التي تتميّز بتضامنها وبخلوّها من السجالات السياسية العبثية التي كانت تستهلك الكثير من اجتماعات مجلس الوزراء في الماضي، ومن كان يتوقع رحيلها خلال مدة قصيرة أنصحه بأن يراجع حساباته.

 

التدخل بالقضاء

وحول تعليقه على اتهامه بالتدخّل في التشكيلات القضائية، يلفت عون الى وجود شوائب في هذه التشكيلات، مشيراً الى انّ من حقه الدستوري تصويبها اذا اقتضَت الحاجة، «أمّا استقلالية القضاة فهي واجبة عليهم، وفق الدستور، عندما يكونون تحديداً في معرض ممارسة عملهم».