التلويح بالفوضى لتحسين شروط باسيل وحجز موقعه بالعهد المقبل
عندما كان هناك مصلحة للعماد ميشال عون في تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية مستقويا بسلاح حزب الله، بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في ربيع العام٢٠١٤، لم يكن بعبع الفراغ في الرئاسة مفزعا ومخيفا، او الميثاقية مفقودة، وحقوق المسيحيين مهددة، ولا موقع الرئاسة الاولى في خطر ولو استمر الفراغ سنتين او اكثر، لان ما يحق لعون، لا يحق لغيره. كان كل شيء مباحا ومستباحا امامه، مادام يفيد التيار الوطني الحر، ويحقق اهدافه ومصالحه في الوصول للرئاسة والامساك بالسلطة.
اليوم تبدلت الأمور وتغيرت الاوضاع، نوبات التهويل العوني بالفوضى والخراب والتهديد بالخيارات الهزلية، مع مشارفة العهد على الرحيل، تتواصل بلا انقطاع واصبحت سلاح التيار المشرع في معركة مواجهة استحقاق مغادرة الرئاسة، اذا لم يُستجاب لمطالب الوريث السياسي لرئيس الجمهورية النائب جبران باسيل، بالحصص الوزارية الوازنة، والوقوف على خاطره باختيار الرئيس الجديد، بعد انسداد آفاق تزكيته دون سائر المرشحين.
سيناريوهات الفوضى الهزلية، والتهديد بالويل والثبور وكل مسببات الخراب، تنهال على مسامع اللبنانيين، صبحا ومساء، من اروقة المقرات والصروح وابواق الوريث المزروعة في المواقع والصفحات، تحذرهم من الويلات العونية الهدامة، اذا تسلمت حكومة تصريف الأعمال مهمات رئيس الجمهورية عند الرحيل، ولم يتم انتخاب البديل، بحجة الخشية من الفراغ بالرئاسة، إلى اختلال السلطة، وانعدام الميثاقية، وصولا إلى ضرب الدستور والاخلال بأسس العيش المشترك، والتعدي على حقوق المسيحيين، ومخاطر تهديد مستقبل الموقع المسيحي الاول بالدولة اللبنانية.
جرت العادة، في نهاية كل عهد ان ينكبَّ الفريق الرئاسي، على اعداد جردة بالإنجازات المهمة التي حققها رئيس الجمهورية لشعبه طوال سنوات تسلمه مهمات رئاسة الجمهورية، يضيء فيها على النجاحات التي صبت في مصلحة البلاد ومواطنيه، ويعدد الأسباب التي حالت دون تحقيق ما كان يطمح اليه، لأسباب خارجة عن ارادتة وقدراته. العهد العوني خالف هذه القواعد، وفريقه يخرج على اللبنانيين بحملات التهويل بالترويج للخيارات الصعبة، التي وصلت الى حد التهديد بالعبث بالدستور واختراع الحجج والبدع الملتوية، والتبشير بخراب لبنان كله، بدلا من اعداد جردة، بخلاصات ممارسات العهد نجاحا او اخفاقا، او حتى الاعتذار من اللبنانيين على الاقل، لما آلت اليه الأوضاع المتردية في الحد الادنى.
وبالطبع هذه ليست من أساليب وعادات ميشال عون، المجربة في كل مرة يتسلم فيها السلطة. بالماضي اغرق البلد بالتعطيل والحروب والدمار وتهجير المسيحيين، وانتهى الامر بتغيير النظام واقرار اتفاق الطائف، بالرغم من كل اعتراضاته العنترية وعراضاته الوهمية، ولانه ليس عنده اليوم، ما يباهي به اللبنانيين من إنجازات او نجاحات، بل سلسلة من الأزمات والمآسي وتهديم مرتكزات الدولة والمجتمع وتعميم العتمة والظلام، بعدما تكشَّفت كل أكاذيب الانقاذ والتغيير ومكافحة الفساد على حقيقتها، وانقلبت الى تخريب وتدمير الدولة ونهبها وتجويع شرائح واسعة من الشعب اللبناني، وإيقاع الجيش والمؤسسات الامنية تحت العوز والهبات من الخارج.
كل الممارسات البهلوانية، تهدف حاليا للتغطية على سياسات العهد العوني الفاشلة والتخريبية التي ضرب فيها الأرقام القياسية، في كل المجالات، ولتبرير البقاء العوني بالسلطة، او بعضها، في العهد المقبل وبالطبع لمصلحة الوريث الموعود.
هذه المرة اختلفت الامور، مرت سنوات العهد الست هباء، بلا انجاز واحد يعتّد به، امضاها رئيس الجمهورية مع وريثه السياسي بالمماحكات، بالتلهي بمعارك الالغاء، وإذكاء الخصومات السياسية، واغداق الوعود والشعارات الوهمية بالاصلاح ومكافحة الفساد، من معزوفة التدقيق الجنائي الموجهة للاطاحة بالرموز الوظيفية المتمردة على اوامر الوريث السياسي، وتعطيل عمل الحكومات وشل القضاء وتسييسه، والتغطية على ارتكابات نهب المال العام في الطاقة والكهرباء تحديدا وتدمير القطاع بالكامل، وصولا إلى اغراق لبنان بأبشع كارثة اقتصادية ومعيشية مر بها في تاريخه الحديث.
الآن دقت ساعة رحيل العهد العوني المشؤوم، الذي لم تعد تكفي بتوصيفه كل عبارات السوء والبشاعة، لسياساته المسيئة للبنان، ولفشله الذريع بادارة السلطة، وباضاعة فرص الانقاذ والتسويات المحلية والمبادرات العالمية، وارتكاباته بتخريب الدولة ومؤسساتها وبقلب حياة اللبنانيين رأسا على عقب. ولم تعد تنفع كل اساليب التخويف بإعادة عقارب الساعة الى الوراء، وبات هامش مناورات العونيين للاستمرار او التمسك بالسلطة معدوما.لذلك، لم يكن مستغربا، امعان التيار العوني، بضخ سيناريوهات التهديد بالفوضى، وتعميم البدع والتفسيرات الدستورية الملتوية، والتلويح بتكرار تجربة التمرد على الدستور والامتناع عن مغادرة رئيس الجمهورية ميشال عون بعبدا بعد انتهاء ولايته الدستورية، اذا لم يتم تشكيل الحكومة الجديدة، بذريعة مضللة مفادها ان حكومة تصريف الأعمال، ليست مكتملة دستوريا، ولا تستطيع تسلم مهمات رئيس الجمهورية.
كل ذلك، يندرج لتحقيق هدفين اساسيين في حسابات باسيل، الاول رفع سقف التهويل السياسي الى حده الاعلى، للحصول على اكبر الحصص والمغانم في التشكيلة الوزارية المرتقبة، للامساك بزمام القرار السياسي للحكومة العتيدة، اذا تشكلت، لادارة السلطة في البلاد، في حال لم يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية في المواعيد الدستورية المحدده، وطال امد الفراغ الرئاسي الى وقت غير معلوم، والثاني، الرهان على تبدل الاوضاع، المحلية والاقليمية والدولية، بما يؤدي إلى زوال الأسباب التي تعيق تقدم رئيس التيار الوطني الحر على غيره في السباق للرئاسة الاولى.
ولكن حتى ولو تشكلت الحكومة الجديدة، وهذا يبدو صعبا جدا، بالرغم من كل الحرص السياسي المزعوم على تشكيلها، مع اضاعة المزيد من الوقت المتاح لذلك سدى بلا طائل، او لم تشكل نهائيا بسبب حدة الخلافات القائمة، مع الدخول في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وبدء العد العكسي لانتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، ومغادرته قصر بعبدا، وهذا يعني في النهاية، خروج العونيين من سدة الرئاسة وفقدانهم مكاسب ومقدرات السلطة التي استغلوها طوال السنوات الماضية لمصالحهم الخاصة على حساب المصلحة الوطنية العليا، وهذا ما يتتسبب بارتفاع منسوب الهذيان والتخبط، يدفع بهم الى التهويل والتهديد بالخراب السياسي.
الخشية من حدوث الفراغ الرئاسي اوهام، وحجج مزيفة، لم تعد تجدي نفعا، لان وجود الرئيس ميشال عون بالرئاسة اصبح عديم الجدوى، ولا فائدة مرجوة منه، وحراكه بالداخل مقطوع مع معظم الاطراف السياسيين، ومعزول عربيا ودوليا، باستثناء لقاءات بروتوكولية خجولة، وهو يجسد الفراغ بذاته منذ وقت طويل، بعدما اوكل مهماته لوريثه السياسي، يقرر ما يشاء استنادا لمصالحه السياسية والخاصة، ويتولى المفاوضة نيابة عن رئيس الجمهورية، برغم كل ادعاءات النفي والتهرب. واكبر دليل على ذلك، عدم قدرة عون على البت واتخاذ القرارات اللازمة، مباشرة خلال اللقاءات وجلسات التشاور، بتأليف الحكومة الجديدة، او غيرها واخضاعها لمشيئة ورغبة باسيل دون غيره، على المكشوف، دون مواربة، كما اظهرت مسارات ووقائع التشكيل الاخيرة وحملات التراشق وطرح الشروط والمطالب.
لم يعد امام اللبنانيين انتظار الكثير للخلاص من عهد الرئيس ميشال عون الكارثي، الذي سيصنف بأسوأ رئيس جمهورية انتخب بتاريخ لبنان، انجازاتة ملموسة بالكارثة المالية والاقتصادية والمعيشية المتدحرجة نحو الأسوأ يوما بعد يوم، و تدمير قطاع الطاقة الكهربائية بالكامل وتهجير اللبنانيين الى الخارج.
شهران ويدخل لبنان مرحلة جديدة وتطوى تجربة العونية السياسية
شهران، ويدخل لبنان مرحلة جديدة، تطوي تجربة العونية السياسية السوداوية بممارسة السلطة، وتؤسس لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، اي رئيس كان، وبالطبع لن يكون مثل ميشال عون، بأي حال من الأحوال. وكل ما يهدد ويلوِّح به التيار الوطني الحر، رئيسا، ونوابا وغيرهم، انما يعبرّ بوضوح عن حالة الانهيار والتاثر والانفعال والغضب الشديد الذي ينتابهم جراء مغادرة عون للرئاسة بكل مفاعيلها.