الرئيس ميشال سليمان ومحطات في القيادة والرئاسة والعلاقة مع “حزب الله” (1من 7)
في 21 كانون الأول 1998 صار العماد ميشال سليمان قائداً للجيش اللبناني بعد شهر تقريباًً على انتخاب قائد الجيش العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية. بعد31 عاماً على تطوّعه في الجيش كتلميذ ضابط و28 عاماً على تخرّجه برتبة ملازم بات ابن بلدة عمشيت المولود في العام 1948 على تماس مباشر مع الأحداث. بعد اللواء فؤاد شهاب، سيكون الضابط الذي أمضى أطول فترة في قيادة الجيش امتدت عشرة أعوام لأنّ سنّه كانت تسمح له بذلك. وهو كسلفه الرئيس لحود انتقل من القيادة إلى رئاسة الجمهورية ولكن في ظروف ومعطيات مختلفة كلياً. في هذه الحلقات روايات لمحطات من تجربة سليمان في قيادة الجيش ورئاسة الجمهورية والعلاقة مع «حزب الله».
رافق العماد إميل لحود ولاية الرئيس الياس الهرواي قائداً للجيش من العام 1989 حتى انتخابه رئيسا في العام 1998 ورافق العماد ميشال سليمان ولاية الرئيس لحود حتى العام 2007 وبقي في القيادة حتى انتخابه رئيسا للجمهورية في 25 أيار 2008. ولكن على عكس الرئيس لحود لم تكن علاقته ثابتة مع «حزب الله» والنظام السوري مع أنّ تعيينه كان في ظل عهد الوصاية السورية. بدأ لحود رئاسته وهو في صف «الممانعة» وأنهاها وهو في هذا الصف ومن أجله غامر النظام السوري و»حزب الله» في رفض القرار 1559 والتمسك به مرشحاً وحيداً لرئاسة الجمهورية عندما انتهت ولايته في العام 2004 على خلفية أنه تمّ تجريبه ولا يمكن المغامرة بانتخاب رئيس غيره حتى لو كان من حلفاء سوريا و»الحزب».
بينما بدأ الرئيس ميشال سليمان ولايته في 25 ايار 2008 بعد تفاهم الدوحة وعملية 7 أيار العسكرية التي نفذها «حزب الله» في بيروت والشوف وعاليه وبعد سبعة أشهر من الفراغ الرئاسي. بدأ بتفهم وقبول من «الحزب» وانتهى عهده بخلاف كبير معه بإعلانه سقوط ثلاثية «جيش وشعب ومقاومة» التي يتمسّك بها «الحزب» ووصفها بأنّها صارت ثلاثية خشبية. بين قيادته للجيش ورئاسته للجمهورية مرّت علاقته بالحزب بمراحل صعود وهبوط وبابتعاد وتلاقٍ وانتهت إلى أنّ «الحزب» صار يعطيه مثلًا في تحديده لمواصفات رئيس الجمهورية الذي لا يريده محدِّداً بمعنى أنّه لا يريد رئيساً يطعن المقاومة في الظهر كما فعل ميشال سليمان. فهل صحيح أنّ سليمان طعن «الحزب» في ظهره أم أنّ «الحزب» هو من طعنه في الظهر؟
بداية العلاقة
العلاقة بين قائد الجيش العماد ميشال سليمان و»حزب الله» كانت جيّدة في الأساس. كان هناك احتلال لجزء كبير من الجنوب وكان هناك تنسيق ميداني على الأرض حتى حصل التحرير في 25 أيار عام 2000. بعد هذا التطور لم تسمح السلطة السياسية في ظل رئاسة الرئيس إميل لحود وحكومة الرئيس سليم الحص بانتشار الجيش في البقع التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي فبقيت فارغة من انتشار الجيش وكان من المفروض أن يحصل الإنتشار وقتها. كان الجيش السوري لا يزال في لبنان وكانت سياسة الدولة والقرار السياسي يقضيان بدعم المقاومة.
لم تكن هناك مشكلة، فالجيش يدعم كل شيء ضد إسرائيل. ولكن كانت هناك إشكالات تحصل على الأرض عندما تحصل تجاوزات وكان الجيش يتدخّل لمنع هذه الإشكالات وضبط التجاوزات. كان يتمّ توريد السلاح بشكل كبير إلى «حزب الله» وكان الجيش السوري يسيطر على منطقة البقاع ويغطي المسائل الأمنية بشكل كامل وكان يساعد ويسهّل عمليات نقل الإسلحة وتوريدها إلى «حزب الله». بعد التحرير كان من المفترض أن يوضع هذا الإنجاز المهم كلّه بعهدة الدولة ولكن هذا الأمر لم يحصل.
حتى أنّ قدرات «حزب الله» العسكرية من السلاح والصواريخ كان يجب أن توضع تحت تصرّف الجيش اللبناني لأنه من غير المسموح القيام بأيّ عمل عسكري لا يكون تحت إمرة الجيش والدولة. كان تقييم قيادة الجيش وقتها أنّ المبادرة تكون بيد الدولة وإذا احتاجت إلى مساعدة تطلبها. إذا حصل اعتداء إسرائيلي على لبنان وعلى أيّ مكون فيه، أيًّا يكن، كأهداف مبنية أو مدن أو أشخاص، الجيش هو الذي يجب أن يتصرّف ويقدِّر كيفية الردّ وإذا احتاج سلاحاً لا يملكه يأخذه من المقاومة إلى أن يتمّ حصر السلاح بيد الجيش وحده. لأنّه بمنطق الدول أيضاً لا شرعية لأيّ سلاح خارج السلطة الشرعية المتمثلة عسكرياً بالجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى.
ولكن هذا الأمر لم يتم العمل عليه في عهد الرئيس إميل لحود وكانت قيادة الجيش خاضعة للقرار السياسي. وكان هناك أمر واقع على الأرض من خلال وجود الجيش السوري و»حزب الله» ومن خلال وجود مناطق لم يكن ينتشر فيها الجيش أو ينتشر فيها بشكل ضعيف ورمزي. في البقاع كان انتشار الجيش ضعيفاً جدّاً. لم يكن انتشاراً أمنياً. كانت الحواجز يقيمها الجيش السوري والمخابرات السورية وكان «حزب الله» مستفيداً من هذا الواقع الأمني والسياسي وبحكم هذا الأمر بقي الجنوب ساحة ومسرحاً لعمليات «الحزب». الحكومة كانت وراء القرار السياسي الذي قضى بأن يبقى الجيش في أماكن انتشاره بينما كانت قيادة الجيش والعماد ميشال سليمان يتوقعان أن ينتشر الجيش بعد العام 2000 ويستلم كل المناطق وينتقل من الخطوط الخلفية إلى الحدود الجنوبية حيث أنه لم يكن لديه إلا نقطة أمنية في صور.
بطبيعة الحال تم وضع خطة عمليات في قيادة الجيش لمواكبة عملية الإنسحاب الإسرائيلي ومرحلة ما بعد هذا الإنسحاب. فالجيش يضع دائماً خطط عمليات استباقية. كلما كانت هناك أحداث يضع خططاً تتماشى مع تطورات هذه الأحداث المتوقعة ويطورها يومياً. لا تكون هذه الخطط ثابتة وجامدة. بل تتغيّر بحسب المعطيات. كان الجيش بحالة جهوزية لمواجهة مثل هذه الأوضاع. إذا كانوا يقولون إن الجيش لا سلاح عنده لمواجهة إسرائيل، وربما كان هذا الأمر صحيحاً، ولكن هل الجيش يتحمّل مسؤوليته؟ كان على السلطة السياسية أن تؤمن هذا السلاح للجيش وهو يتولّى عمليات الردّ والمواجهة. فالمنطق يقول «أعطوا السلاح للجيش إذا وهو يردّ. عندكم في حزب الله صواريخ ضعوها بتصرّف الجيش وهو يتصرّف. لا يجوز أن يظلّ حزب الله يختار الأهداف وتوقيت الردّ بعيداً عن قرار الدولة. كان من الواجب أن يحدِّد الجيش طبيعة الرد والمكان والزمان». ولكن كان الواقع عكس ذلك. التنسيق العملاني كان باتجاه واحد والقرار العسكري كان خاضعًا للقرار السياسي، وهو أن يدعم الجيش عمليات المقاومة بينما كان المطلوب أن يحصل العكس. لماذا كان يحصل ذلك؟ لأن «حزب الله» كان على الحدود مع إسرائيل بينما لم يسمح للجيش بأن ينتشر هناك.
تحت سلطة الوصاية السورية
عملياً وتحت سلطة الوصاية السورية كيف كان يحصل التنسيق على الأرض؟ وهل كان الجيش يكتفي بغض النظر والمراقبة من بعيد؟
كانت الأوامر الموجهة إلى الجيش تقضي بأن لا يمنع تحركات «الحزب» باتجاه البقع التي ينتشر فيها. وإذا تعرّضوا لهجوم أو لقصف يساعدهم الجيش بالقصف والدعم. كان الجيش يقصف عندما تقوم إسرائيل بأي هجوم أو بأي عملية. عندما كان ميشال سليمان قائداً للواء المنتشر في صور قبل أن يصبح قائداً للجيش، تدخّل الجيش لصد عملية إنزال إسرائيلية في سهول صور. فالمقاومة كانت تشتبك معهم ولكن الجيش لم يكن يتفرّج إذا حصل اعتداء. وهذا موقف وطني كبير وواجب عليه في صراع مع عدو وكان يقدّم المساعدات التي يستطيع تقديمها بحسب ما تقول أوساط كانت مواكبة لقيادة الجيش وحركته في تلك المرحلة ورافقت العماد سليمان.
شكلت انتفاضة 14 آذار 2005 نقلة نوعية في التوازنات السياسية في الداخل اللبناني بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وأدت خصوصاً إلى خروج الجيش السوري من لبنان. تصرف الجيش في 14 آذار كان مسؤولية دقيقة وحساسة خصوصاً أنّ التطورات الحاصلة كان لا بدّ من أن تؤثِّر على دوره. فهل تبدّل هذا الدور بعد خروج الجيش السوري؟ وهل تحرّر الجيش من الوصاية على قراره؟ وكيف استطاع أن يخالف القرار السياسي بمنع وصول المتظاهرين إلى ساحتي الشهداء ورياض الصلح؟ وبالتالي هل حصل تبدّل في طريقة التعاطي؟ هل حصل تفلّت في القرار السياسي؟
تقول الأوساط المتابعة إنّ الوضع اختلف كلياً بالنسبة إلى الجيش. في الجنوب هناك إسرائيل. أمّا في وسط بيروت فكان يوجد الناس. والدستور هو الذي غطى تصرف الجيش. وبطبيعة الحال كما يفهم رئيس الجمهورية بالدستور كذلك يفهم قائد الجيش بالدستور.
تعود هذه الأوساط بالذاكرة إلى ما حدث في مطلع الألفية الثانية لتحدّد أنّ الجيش بقيادة العماد ميشال سليمان كان السبّاق في التصدي لأول محاولة جدية لإقامة إمارة إسلامية في شمال لبنان. قبل أن يذهب «حزب الله» إلى سوريا لقتال التنظيمات الأصولية، كان الجيش اللبناني بقيادة ميشال سليمان أول من خاض المعركة ضدهم في جرود الضنية في آخر العام 1999 ودفع عدد كبير من الشهداء الثمن. ثم كانت المعركة الثانية في نهر البارد بعد سبعة أعوام.
تقول الأوساط المراقبة إنّ أحداث الضنية لم تكن عادية. كان يمكن أن تبدأ من هناك نواة ما يحكى عن الدولة الإسلامية. حسم الجيش الوضع وأفشل المحاولة. ثم أفشلها مرة ثانية في مخيم نهر البارد. هذا الجيش الذي يقولون عنه إنّه ضعيف أفشل هاتين المحاولتين. بعدها انتقلت المحاولات إلى سوريا والعراق ومن هناك انطلقت تسمية داعش أي الدولة الإسلامية في العراق والشام. وكادت التنظيمات الأصولية تسقط النظامين في سوريا وفي العراق على رغم قوتهما العسكرية. كانوا يريدون أن يؤسّسوا لهذه الدولة الإسلامية ابتداءً من الإمارة التي خطّطوا لإقامتها في شمال لبنان وهذا واضح في التحقيقات التي حصلت ومن خلال المجريات العملانية. عام 2000 تلقّت التنظيمات الأصولية ضربة قاسية وكان السوريون هنا بجيشهم ومخابراتهم ويسيطرون على الأرض. صحيح أنهم كانوا ضد هذه الظواهر ولكنهم لم يتحرّكوا ولم يتدخّلوا. الجيش وحده تحرّك. عرضوا المساعدة ولكن قائد الجيش لم يقبل.
يتبع السبت 28 كانون الثاني: ماذا فعل الجيش في 14 آذار 2005؟